Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/03/2007 G Issue 12578
الاقتصادية
الاربعاء 17 صفر 1428   العدد  12578
أثر غياب التخطيط الإستراتيجي على تنفيذ الخطط الخمسية!!
د. عقيل محمد العقيل

كل من له معرفة بالتخطيط الإستراتيجي يدرك أن الخطط الخمسية تفتقر لأساسيات التخطيط الإستراتيجي كما هو في نظرية التخطيط الإستراتيجي المتعارف عليها، نعم فخططنا الخمسية عندما نطلع عليها ونتبحر بها نعرف بأنها تطلعات أكثر من كونها خطط إستراتيجية.

ولذلك فإمكانية تتحقق تلك الخطط مساوية لإمكانية عدم تحققها البتة، ومساوية كذلك لتحقق خلافها، ذلك أن التطلعات لا يمكن أن تسمى خطة إذا لم توضع لها خطط عمل تشتمل على برامج تنفيذية محددة ودقيقة تتكامل في مجموعها لتحقيق أهداف الخطة الإستراتيجية، كما أننا أيضاً لا نرى تقييماً علمياً لنتائج تلك الخطط التطلعية، تقييماً قائماً على متابعة دقيقة وعلمية وحثيثة للتأكد من التزام أجهزة الحكومة التنفيذية بتطبيق آليات الخطة المؤيدة لتحقيق أهدافها، ولذلك نجد حضور ممثل المالية في تلك المؤسسات الحكومية وغياب ممثل وزارة الاقتصاد والتخطيط.

الخطط الإستراتيجية تحدد رؤية البلاد بعد فترة من السنوات، بمعنى كيف ستكون البلاد بشكل عام بعد عدد من السنوات كمحصلة للتحرك في مسارات التنمية الرئيسية (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية)، كأن تكون المملكة العربية السعودية الدولة رقم x على سبيل المثال من حيث الناتج الإجمالي المحلي أو من حيث متوسط دخل الفرد أو من حيث كونها الأفضل للعيش في الدول العربية أو العالم، وأن ذلك يستدعي أن نقوم بالإصلاحات الشاملة المطلوبة.

ثم بعد ذلك نقوم بتحديد آليات تحقيق تلك الإصلاحات ونهيئ المجتمع وتوعيته للتفاعل إيجاباً معها، كما قام رئيس الوزراء السابق، الدكتور محاضر محمد بتعبئة كل طاقات البلاد للنهضة في مشروع أسماه (ماليزيا 2020).

حيث رسمت تلك الخطة واقع البلاد بعد تطبيق هذه الخطة ووضعت الآليات المحققة للواقع المستهدف، وهيأت المجتمع لذلك حتى تفاعل الجميع داخل وخارج ماليزيا مع هذه الخطة الواضحة المعالم، فوصلت ماليزيا إلى ما وصلت إليه، فأصبحت النموذج الذي يضرب مثلا لمن أراد أن يعرف أهمية الخطط الإستراتيجية وأهمية التطبيق والمتابعة والإصرار على النجاح.

ونحن في المملكة العربية السعودية ندرك تماماً ما تصبو القيادة الرشيدة لتحقيقه، كما ندرك أيضاً مدى بذلها الجهود التحفيزية والتشجيعية للقطاعين العام والخاص وغير الربحي لتحقيق الأهداف المنشودة، وندرك أيضاً حجم الجهود المبذولة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما نتج عنها من تطورات إيجابية، ولكننا أيضا ندرك أن الأجهزة التنفيذية يمكن أن تنجز أضعافاً مضاعفة لو أننا استخدمنا آليات التخطيط الإستراتيجي الذي يشتمل على الرؤى والغايات والأهداف العامة والتفصيلية والآليات المحققة لكل ذلك، وما هو مطلوب من كل جهة أو مؤسسة عامة أو خاصة للتكامل في تحقيق أهداف هذه الخطه، ذلك بأن التخطيط الإستراتيجي سيعظم من نتائج الإمكانات وينسق الجهود لتكون أكثر تكاملاً وفعالية.

ولنأخذ مثلاً على الآثار السلبية الناتجة عن غياب التخطيط الإستراتيجي، ففي المجال الاقتصادي كلّنا على يقين أن الخصخصة خيار إستراتيجي إلا أننا لم نجد خطة إستراتيجية واضحة المعالم والآليات لتحقيق هذه الغاية، حيث مازال القطاع العام هو الذي يمارس الدور الأهم في توليد القيمة التي تنمي الناتج المحلي الإجمالي رغم أن الأساس الإستراتيجي لخطة التنمية السادسة يوضح أن الدولة لن تمارس أي نشاط اقتصادي يمكن أن يتولاه القطاع الخاص، حيث يقول نص وثيقة الخطة: (الاستمرار في تبني سياسة فتح المجال للقطاع الخاص لمزاولة كثير من المهام الاقتصادية في الدولة، على أساس ألا تقوم الحكومة بأي نشاط اقتصادي يمكن أن يُؤدى بواسطة القطاع الخاص).

وأقول: إنه دون أدنى شك أن عدم وجود آليات لتطبيق هذه الأهداف أدى إلى عدم تحقيقها، كما أن عدم وجود وسائل متابعة وتقويم قبل وأثناء وبعد تطبيق الخطة أدى إلى الانحرافات الشديدة في الأهداف الإستراتيجية، واليوم وبعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية، ما زلنا لا نسمع عن آليات فعالة قادرة على نقل الشراكة بين القطاعين الخاص والحكومي من الواقع النظري والفكري إلى أرض الواقع لكي يؤدي القطاع الخاص دوره في جميع النشاطات الاقتصادية التي كانت الدولة تقوم بها أو تدعمه للقيام بها، وذلك لكي تمارس قوى السوق دورها الحقيقي في توفير السلع والخدمات عالية الجودة مناسبة السعر.

ومن أكبر وأوضح العوائق التي لم يتم معالجتها بحزم وبسرعة قضية التمويل، حيث يعاني القطاع الخاص من شح في آليات التمويل بسبب نقص البنى التشريعية الذي أدى إلى غياب الكثير من اللاعبين الأساسيين في الحقل المالي، كما أدى لاسترخاء المؤسسات المالية الوسيطة (البنوك) واقتصار جهودها على التمويل الاستهلاكي المضمون الربح والمضمون السداد على حساب التمويل الإنتاجي، وأفرز مشاكل كبيرة في السوق المالية مما حاد بها عن هدفها الرئيسي والمتمثل بتوفير آليات تمويلية تستجيب لمتطلبات مجتمع الأعمال إلى نقل الأموال من معظم أفراد المجتمع إلى جيوب قلة قليلة لا تقدم أي قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.وكلّنا يعلم أن شح آليات تمويل مجتمع الأعمال تعني تثبيطا لنمو القطاع الخاص بشكل يجعل الفجوة بين المطلوب والمعروض في معظم القطاعات الاقتصادية تزداد بمرور الزمن مما يؤدي إلى زيادة كبيرة في معدلات التضخم لا تتناسب ومعدل الزيادة في الدخل الشهري للمواطنين مما يؤسس لمشاكل وإفرازات لا تحمد عقباها، ومع ذلك ورغم كل الغايات النبيلة ما زلنا لا نرى مناهج سليمة تجعل السيولة الضخمة التي تغص بها البنوك تدخل في دورات مالية متتالية من خلال هياكل مالية قائمة على أسس سليمة تحقق المصالح المادية لكافة الأطراف لكل قضية اقتصادية.

ختاماً كلّنا رجاء وأمل أن تنتقل وزارة الاقتصاد والتخطيط من مرحلة كتابة خطط التطلعات إلى إعداد وتطبيق ومتابعة خطط إستراتيجية حقيقية تستنهض همم الجميع لتنفيذها من خلال مشاركتهم في إعدادها من خلال المؤتمرات والندوات والدراسات لكي يشاركوا جميعاً في تطبيقها كل من موقعه على قناعة تامة بما ستؤول إليه من نتائج ينعم الجميع بفوائدها.

alakil@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد