في مطلع الأسبوع الماضي وصلتني رسالة إلكترونية مليئة بآيات الشكر والعرفان للعبد الفقير إلى الله؛ فيها من مشاعر الفرح الكثير. ولأن النفس البشرية ميالة إلى حب الإطراء والمديح فقد انتفخت أوداجي على غير عادة وأحسست بالزهو المفتعل لدقائق معدودة ما لبث أن تلاشى تحت تأثير العقل وحسابات المستقبل!!!
الأخ عبدالله ال....، مرسل الرسالة، كان سعيداً بتوصية الشراء التي أعتقد أني أرسلتها له قبيل إغلاق تداول الأسبوع ما قبل الماضي، والتي حققت كما يقول أرباحاً صافية بنسبة 25 في المائة.
ولأنني لم يسبق لي أن أرسلت رسائل (التوصيات) الخاصة التي لا أجيدها أصلاً، فقد آثرت أن أبلغ الأخ عبدالله أنني لست الطرف المقصود بهذا الشكر النبيل، ثم تراجعت تحت ضغط (الأنا) ولحظات الزهو!!!
بعد لحظات من التجاذبات النفسية، سيطر العقل على مجريات الأمور، وبدأت أكتب رسالة توضيحية للأخ الكريم أوضح فيها موقفي من الرسالة المزعومة. في المساء تلقيت منه رداً رقيقاً، وشكراً على إصراري نكران الذات وإخفاء الخير الذي عملته!!، مرفقاً بها أصل الرسالة التي تضمنت توصية الشراء التي يعتقد أني أرسلتها له. حقيقة أسقط في يدي بعد أن تأكدت من صحة التوصية، وصحة بريدي الإلكتروني في خانة (المرسل). لم يطل بي التفكير هذه المرة، ولم تظهر (الأنا) في قراراتي خصوصاً بعد أن تذكرت أن مثل هذه التصرفات غير الأخلاقية قد تكبد الآخرين خسائر مالية ضخمة ثم تنسب لي بالتبعية، فتوصية الشراء الناجحة قد تتحول إلى توصية شراء مدمرة في المستقبل القريب.
كتبت للأخ عبدالله رسالة جديدة أخلي فيها مسؤوليتي من توصية الشراء السابقة، وأي توصية مستقبلية يمكن أن يستلمها، لأنني وبصريح العبارة لا يمكن أن أقدم على مثل هذا العمل غير الأخلاقي والقانوني، كما أنني أفتقدُ لمقومات السيطرة والتوجيه التي يمكن من خلالهما تحديد اتجاهات الأسعار في سوق أصبحت مرتهنة لأهواء المضاربين. رسالة الأخ عبدالله ذكرتني برسالة سابقة بُعثت لي من بريد أحد الاخوة الأكاديميين المعروفين مليئة بملفات الفيروسات المدمرة ومعنونة بعنوان مثير للغرائز لغرض التأثير وفتح الملفات. وبعد أن ربطت بين عمر المرسل، ومكانته الاجتماعية وثقتي ومعرفتي بهِ استبعدت أن يكون على علاقة بهذه الرسالة، وقلت لعل المرسل استبدل حرفاً بحرف من أجل التمويه والخداع، وبعد رجوعي للعنوان الأصلي تفاجأت بأنه مطابق لعنوان الرسالة الملوثة!! أعدت إرسال الرسالة كما هي دون فتحها لأستاذي الفاضل، وبعد فترة استلمت منه رسالة شكر على تنبيهه، وأنه اكتشف من خلال الدعم الفني أن الرسالة الملوثة استغلت عنوانه الحقيقي للتأثير في الآخرين وحملهم على قبولها بناء على ثقتهم في المرسل، وأن هذه الطريقة المبتكرة لا تعدو أن تكون جزءاً من عمليات الخداع التقني واسعة الانتشار.
في الماضي كانت الرسائل الملوثة تستهدف إعطاب الأجهزة، وتدمير الملفات، أو التجسس، وكانت ترسل بعناوين وهمية مختلفة إلا أنها تطورت بشكلٍ كبير وأصبحت ترسل من عناوين معروفة دون علم أصحابها، اعتماداً على التقنيات الحديثة، وتهدف إلى توجيه المتلقي والتأثير في قراراته الخاصة.
أصبحت سوق الأسهم أرضاً خصبة لمثل هذه الرسائل، بدأت من المجموعات (Groups)، والتوصيات مدفوعة الأجر، ثم تطورت شيئاً فشيئاً حتى أصبحت تمارس أعمال التزوير والخداع على نطاق واسع، وبأسماء الآخرين. الكسب الحرام لم يمنع هؤلاء من تضليل الآخرين والتدليس عليهم. نفسيات المتداولين وخسائرهم المتراكمة ربما ساعدت في تقبلهم النصائح المزورة مجهولة المصدر طمعاً في التعويض. أشعر بالأسى على صغار المستثمرين الذين يبحثون عن النجاة فيثقون فيمن نُزعت عنهم الثقة بعد أن حُرِموا العون والمشورة الرسمية التي استمرت في تجاهل أوضاعهم، وغضت الطرف عن مصابهم، فأصبحوا وقود السوق الذي لا يخمد!!
اليوم سأكتب توصية مجانية وأنشرها على نطاق واسع علها تكفر عني ما تسبب فيه عنواني المختطف من أذى للآخرين. (لا تثقوا في أي توصية تصلكم عن طريق البريد الإلكتروني، وإياكم والثقة العمياء في بعض كبار المضاربين وصناع السوق وعملائهم، فهم صورة حقيقية للإقطاعيين الذين يبحثون عن الثراء على حساب الآخرين، فإن كنتم تنتظرون استعادة نصف رساميلكم فهم يتحينون الفرصة للانقضاض على ما تبقى لكم من أموال. فكونوا على حذر وثقوا بالله أولاً ثم بأنفسكم، وإياكم والاعتماد على الآخرين). ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
f.albuainain@hotmail.com