Al Jazirah NewsPaper Saturday  24/02/2007 G Issue 12567
الاقتصادية
السبت 6 صفر 1428   العدد  12567
أسهم فبراير.. الأسباب والمسئولية!!
د. محمد عبدالله العجلان

شهر فبراير 2006 لا يمكن أن ينسى لمن دخل عالم الأسهم، ففيه بدأت المرحلة الأكثر صعوبة والأعنف على المساهمين في السوق السعودية، حينما سقط المؤشر من الطابق 21 خلال عام تقريباً ولم يجد العون إلا قرابة المستوى السابع، حينها تدخلت قوى الاستثمار منتشلة السوق من هبوط لم يسبق له أن حدث من ذي قبل.

الانهيار الكبير كان متوقعاً ولكن اختلف البعض في تحديد وقت الانهيار، إن المتتبع لعالم الأسواق المالية في جميع أنحاء العالم وبخاصة سوق الأسهم يستطيع أن يعرف أن كل ما حصل هو طبيعي جداً على الرغم من عدم اقتناع الكثير بذلك؛ فسوق الأسهم السعودية لديها خصائص منفردة عن أسواق المال الأخرى، ولكن الحقيقة تفرض نفسها وتثبت أن ما حصل في الأسواق الأخرى حصل لدينا مع اختلاف الأدوار.

ولكن من المتسبب في ذلك ولماذا حدث ما حدث؟ نحن في الحقيقة شعب عاطفي بل وجميع الشعوب العربية، نغلب العاطفة على العقل فتجد الجميع يلقي التهمة على الآخر ولا يملك أحد أن يعترف أنه هو المتسبب.

في اعتقادي أن جميع من كان له علاقة بسوق الأسهم كان سبباً في ذلك، فمثلاً وزارة المالية أحد الأطراف وفيها من المستشارين وأصحاب العقول ما كان يستطيع منع ما حدث بعد توفيق الله، فكما هو معلوم أن السيولة الهائلة التي لم تجد قنوات استثمارية أخرى غير سوق الأسهم كانت سببا مهما في حدوث الفقاعة فكان من المفترض طرح جزء من أسهم الدولة في الشركات الجيدة على المواطنين وبالتالي اصطياد عصفورين بحجر واحد من خلال إتاحة فرص استثمارية للمواطنين وتوجيه السيولة في المكان المناسب.

مؤسسة النقد ساهمت بشكل أو بآخر في ذلك من خلال إهمال الرقابة على البنوك وعدم تحجيم التسهيلات والقروض الشخصية والتي زادت الجرح جرحاً آخر.

هيئة سوق المال الموقرة كانت تفتقد للجرأة واتخاذ الإجراءات القوية لمنع الارتفاع الجنوني للأسهم الخاسرة من خلال تقييد الأسهم الخاسرة والتي جاوزت خسائرها نصف رأس المال، البنوك وما أدراك ما البنوك لا تنظر إلا بعين الربح فقط، ولا تهتم لمقدار خسائر الصناديق، فمع تقديري واحترامي لجميع مديري صناديق الاستثمار في البنوك المحلية إلا أن غالبيتهم يفتقد للخبرة واحترافية إدارة أصول تقدر بمليارات الريالات.

أخيراً وليس آخراً.. المتداولون أنفسهم لهم دور فيما حدث فلا نلقي التهم على الآخرين ونحاول أن نبرئ أنفسنا منها، ولكنهم يتحملون الجزء الأصغر من المسؤولية بخلاف ما سبق وإن ذكر من أطراف أخرى والتي تتحمل النصيب الأكبر، لأن هفوة العالم والمحترف ومسؤوليته أكبر بكثير من عموم الناس.

قد يستغرب الجميع ما يحدث للسوق من هبوط مستمر وحالة خوف وهلع بين المتداولين وهجرة أموال عن سوق الأسهم بعد 25 فبراير بعد ما كنا نرى تداولات تصل إلى 50 مليار ريال في يوم واحد، وهذا في اعتقادي طبيعي جداً بل وكان متوقعا وهذا ما يسمى بنظرية الخوف والجشع Greed and Fear Theory

مختصر النظرية تقول، عندما يكون نمط السوق في ارتفاع كما هو حادث قبل الانهيار فإن جميع الأخبار السلبية للشركات والاقتصاد بشكل عام لا تؤثر غالباً في الأسعار ويكون لدى المتداولين تفاؤل عجيب حتى وإن كانت الأسعار مبالغاً فيها ولا تعكس القيمة الحقيقة للسهم وبالتالي تزداد أوامر الشراء وتدفع الأسعار إلى الارتفاع وتكون هناك مبالغة في مكررات الأرباح ويكون لدى المتداولين في السوق رغبة في شراء الأسعار بأي ثمن وإن كان مبالغاً فيها وهذا ما يسمى بالجشع، وفي المقابل عندما يحدث الهبوط ويكون نمط السوق في انخفاض حينها لا تؤثر الأخبار الإيجابية للشركات غالباً ويحدث خوف بين المتداولين وبالتالي تزداد أوامر البيع التي تدفع الأسعار نحو المزيد من الهبوط حتى وإن كانت أسعار الشركات أقل من قيمها العادلة وتكون هناك مبالغة في مكررات الأرباح بشكل عكسي وهذا ما يسمى بالخوف.

فعلى سبيل المثال، لو سألنا أي شخص مستثمراً كان أو مضارباً أو حتى من خارج السوق عن أسعار ما قبل فبراير وهل هي أسعار جيدة ومناسبة للاستثمار لقال الآن إنها ضرب من الجنون ولكنه لم يكن يراها كذلك في ذلك الوقت وهذا ما يسمى بالجشع، وعلى الرغم من هبوط الأسعار قرابة 80% في بعض الشركات عندما وصل المؤشر 6800 نقطة إلا أنه لا يزال على حذر من الشراء بل ومتخوفاً وهذا ما يسمى بالخوف.

ولكن هل نعتمد على التحليل الفني أو الأساسي أو على ماذا في اتخاذ القرار الاستثماري؟

لا شك أن التحليل الفني علم ومدرسة أثبت صحتها الواقع في كثير من الأسواق العالمية وهو تحليل يعتمد على البيانات التاريخية للسوق في التنبؤ بالمستقبل، من وجهة نظري الخاصة أن التحليل الفني يعمل بشكل أفضل في الظروف العادية والطبيعية للسوق وهو مفيد للمضارب أكثر منه للمستثمر وفي حالة تعارضه مع التحليل الأساسي فيجب أن يُغلب التحليل الأساسي في اتخاذ القرار لأن التحليل الأساسي أصدق ويقوم على فكر محدد معترف به في مجال الاستثمار على عكس التحليل الفني الذي يركز الاهتمام على دراسة التغيرات التي طرأت على السهم في الماضي محاولاً التنبؤ بحركة السهم في المستقبل، فلو أن عدداً من المحللين الفنيين استخدموا أسلوباً واحداً وبيانات واحدة وتوصلوا إلى قرار شراء سهم شركة ما بسبب توقعهم بارتفاع السهم فإنهم سيتدفقون للشراء وهذا أمر طبيعي وبالتالي يرتفع السعر، فسلوك وتوقعات المحللين والمستثمرين هنا هو الذي أحدث هذا الارتفاع وليس شيئاً آخر وبالتالي يصدق التحليل الفني ويعتمد عليه من جراء ذلك.

التحليل الاقتصادي أو تحليل البيئة المحيطة بالسوق سياسياً واقتصادياً هو الأهم، فلو تعارض التحليل الاقتصادي مع الفني والأساسي فيجب أن يُغلب التحليل الاقتصادي عليهما؛ فعلى سبيل المثال لو أن شركة مكرر أرباحها مغرٍ جداً، وفنياً في وضع جيد إلا أن هناك عوامل خارجة عن إرادة الشركة والسوق مثل السياسة المالية والنقدية للحكومة (الإنفاق الحكومي- الضرائب- أسعار الفائدة- أسعار البترول... الخ) والأحداث السياسية قد تؤثر على السوق بشكل عام، فهنا يجب أن يؤخذ ذلك بعين الاعتبار.

ومن عاصر السوق في بداية التسعينيات يعرف ذلك حين وصل مكرر أرباح بعض الشركات في أزمة الخليج إلى 8 مرات وعزف الكثير عن الدخول في السوق.

الخلاصة، هي أن سوق الأسهم يعج بالتناقضات والغرائب ولذلك فكل شيء في السوق متوقع وممكن حدوثه بسهولة، فمن سلبياته أن الغالبية تحتاج وقتاً حتى تفهم ما الذي يحدث، حينها يكون السوق قد انتقل من مرحلة إلى أخرى وتلك المرحلة تحتاج وقتاً أيضاً حتى تفهم وهكذا.

في الختام، بدأ الانهيار في فبراير 2006م، فهل فعلاً بدأ الاستبشار من قبل المتداولين والتجار في فبراير 2007م، نتمنى ذلك، والله أعلم.

alajlaan@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد