على الرغم من إتقان بعض المؤسسات اليمينية المتطرفة في أوروبا وأمريكا في صناعة الكراهية، إلا أنها لم تستطع فيما يبدو ترويج بضاعتها من النظريات المتمحورة حول مفاهيم الصراع بين الحضارات. ولم تستطع إقناع الرأي العام العالمي باستحالة التفاهم بين أبناء الديانات المختلفة كما تزعم.
ففي استطلاع جديد للرأي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عزا معظم مستطلعي الأزمات الدولية إلى صراع المصالح بين الدول.
وفي هذا كثير من المنطق، وهو ما أكد عليه علماء السياسة والاجتماع، قبل أن يبتدع صامويل هانتينجتون نظرية صراع الحضارات، وقبل أن يؤلف فرانسيس فوكوياما كتابه نهاية التاريخ الذي شدد فيه على انتصار الحضارة الغربية على غيرها من الحضارات بانهيار الاتحاد السوفييتي، وقبل أن يصل المحافظون الجدد إلى مراكز عليا في الإدارة الأمريكية الحالية.
المشكلة ليست في الرأي العام العالمي، وإنما المشكلة تكمن في عقلية بعض المنتمين إلى النخبة الثقافية الذين تسيطر على عقولهم أيديولوجيات يمينية طاحنة ومستهجنة.
ومن هؤلاء أعضاء ما يسمى ب(المشروع الأمريكي)؛ تلك المؤسسة اليمينية التي احتضنت إيان هرسي علي الهولندية من أصل صومالي، والمعروفة بتهجمها على الإسلام، وإلصاق التهم جزافاً على هذا الدين العظيم الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق، ويحفظ كرامة الإنسان من ذكر وأنثى.
والمشكلة الأكبر أن يتم تبني هذه النظريات من قبل السلطات السياسية في الدول، وبخاصة الكبرى؛ لأن تطبيق مثل هذه النظريات يزيد الصراعات اشتعالاً، ويخلق انقسامات دينية ومذهبية ليس على مستوى العالم فقط، وإنما على المستوى المحلي داخل الدول.
ويمكن هنا التذكير بتصريحات مرشح الرئاسة الفرنسية نيكولا ساركوزي التي أكد من خلالها دعمه للرسوم المسيئة للنبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وتصريحات النائب الهولندي اليميني المتطرف غورت وايلدروز، وطلبه من المسلمين تمزيق نصف القرآن الكريم.
ويبرع هؤلاء باستغلال مفهوم الحرية بشكل خاطئ، وتسخيره من أجل التهجم على ديانات الآخرين، ومعتقداتهم، ما يعمق من الشرخ ويزرع بذور الفتنة والكراهية بين الشعوب.
لا بد من إيقاف مثل هذه الحملات الشعواء على الدين الإسلامي؛ لأن ذلك يجرح مشاعر أكثر من مليار مسلم في العالم، وإن كانت هناك بعض السلوكيات الخاطئة من بعض المسلمين، فلا يعني أن العيب في الإسلام، تماماً كما أن هناك سلوكيات خاطئة تصدر عن أصحاب الديانات الأخرى. ولا بد من الاستعاضة عن صناعة الكراهية بصناعة الحب والاحترام لإنتاج عالم أفضل.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244