استوقفتني كلمات الأمير الدكتور عبد العزيز بن محمد بن عياف آل مقرن أمين منطقة الرياض التي أطلقها في مؤتمر اليوروموني السعودي الأول للتمويل الإسكاني حين قال (لا يمكن الطلب من كل مواطن راغب في السكن أن يكون مليونيراً يدفع قيمة الأرض مقدما ويدفع تكاليف البناء كاملة أثناء البناء).
كما استوقفتني كلمات كينروي داويرز المدير الدولي لتمويل المساكن بمؤسسة التمويل الدولية (I.F.C) عندما تحدث عن تجربة المكسيك، حيث يستطيع ماسح الأحذية (وهو تعبير يستخدم لإبراز ضعف الدخل) أن يمتلك منزلاً من خلال نظام الرهن العقاري الذي طبقته المكسيك لتوفير 750 ألف وحدة سكنية سنوياً لمدة 6 سنوات لتغطي الطلب والحاجة على المساكن، ولتتجنب الآثار السلبية الناتجة عن عدم إمكانية تملك المواطنين المساكن الملائمة في الوقت المناسب.
وبالطبع لا يمتلك المواطنون السعوديون من الطبقة المتوسطة مليون ريال أو أكثر وإلا أصبحوا من الطبقة الغنية، وبالتالي فإن قضية امتلاكهم مسكناً في ظل الآليات التمويلية الحالية أصبحت قضية معقدة وتحتاج لوقت طويل جداً، وبالتأكيد فان مواطني المكسيك من الطبقة المتوسطة (حالهم أفضل من حال ماسح الأحذية)، وبالتالي يستطيعون امتلاك المنازل الملائمة بالوقت المناسب بضمان دخولهم الشهرية.
المواطن السعودي غير المليونير يرجو أن يحصل على ما حصل عليه المواطن المكسيكي ضعيف الدخل الذي تمكن من امتلاك المسكن الملائم في الوقت المناسب بضمان دخله الشهري، حيث يدفع أقساطاً شهرية تعادل قيمة الإيجار الذي اعتاد دفعه، المواطن السعودي يرغب في ذلك ليستطيع رسملة الإيجارات التي يدفعها حالياً هباء منثوراً لمسكن لن يمتلكه حتى وإن استمر بدفع الإيجارات لمدة تصل لثلاثمائة سنة.
والسؤال هل هذا حلم صعب المنال؟ أم القضية لا تتعدى بيروقراطية اختلطت بفكر مالي متحجر يرى تجميد الأموال السبيل الأمثل لحمايتها؟ ولا يعرف شيئاً عن تآكل رؤوس المال المجمدة بسبب التضخم وليس في قاموسه التدوير المالي العائد بالفائدة للمجتمع ككل.
والحقيقة أن الحصول على المسكن اليسير حلم سهل المنال خاصة إذا علمنا أن المملكة تغص بالسيولة التي تبحث عن قنوات استثمارية قليلة المخاطر كتلك المدعومة بالأصول العقارية الأكثر ضمانا على مستوى العالم بأسره، وإذا علمنا أن لدينا وضعا مميزا في السعودية، حيث وبحسب تقارير سامبا المالية 80% من السعوديين يدفعون إجارات لمنازلهم، الأمر الذي سيجعل منهم عملاء مرتقبين للأنظمة العقارية لأنهم سيمتلكون المنازل التي يدفعون إيجارها ولن يكون لديهم مشكلة في ذلك طالما هم في الأساس يسكنون بيوت أجار ويدفعون دون أن يمتلكوها، وإذا علمنا أن لدينا بنوكا مهيأة لكي تسهم في عملية انتشار مفهوم الرهن العقاري، حيث استطاعت من خلال فروعها في كل أنحاء المملكة بأن تبيع منتجاتها وتسوقها ومنها الأسهم وهو المنتج المحفوف بالمخاطر العالية، ومع ذلك استطاعت بيعها للمواطنين متوسطي الدخل وأغرتهم بها باستقطاع جزء من مرتباتهم الشهرية.
وما يمنع هذا الحلم السهل من التحقق لينعم المواطن بالمسكن الملائم بالوقت المناسب إلا غياب نظام الرهن العقاري الذي جربته الدول الغنية والفقيرة وأثبت فوائده التي لاتعد ولا تحصى على المواطن والمجتمع والوطن، فالمواطن يحصل على المنزل في مقتبل العمر ويرسمل الاقساط متى ما شاء ويشعر بالطمأنينة والاستقرار ويحفز للعمل والإنتاجية لكي يحافظ على هذا المنزل المرتبط بقدرته على الوفاء بالتزاماته الشهرية، والمطور العقاري يستمر في إنتاج وحدات سكنية عالية الجودة متعاظمة القيمة في أحياء مطورة بشكل كامل لموازنة العرض والطلب بشكل مخطط، والمؤسسات المالية تمكن أصحاب المدخرات من تنميتها بقنوات اسثتمارية قليلة المخاطر ذات أبعاد تنموية، إلى غير ذلك من الفوائد التي لا يتسع المجال هنا لذكرها.
لماذا يؤخر القائمون على النظام المالي في بلادنا إصدار وتطبيق نظام الرهن العقاري؟ لماذا الانتظار سنوات وسنوات ونحن نرى المشكلة الإسكانية تتفاقم، حتى رأينا جميعا الإيجارات ترتفع 30 : 50% وهي مرشحة للمزيد من الصعود في ظل ازدياد الفجوة بين المطلوب والمعروض مع غياب آليات فعالة وواضحة لتوفير 1.1 مليون مسكن في السنوات الخمس القادمة سوى آلية القرض التي ستدعم حوالي 75 ألف مواطن فقط لبناء مساكنهم، وأقول تدعم لأن القرض لا يكفي لشراء الأرض في ظل أسعار الأراضي الحالية، لماذا نعاني من مشكلات أسبابها الرئيسية مالية ونحن ننعم بسيولة مالية لا تحلم بها أي دولة نامية؟
السؤال يبحث عن إجابة وبظني أنها في بطن القائمين على المؤسسات المالية الحكومية المنظمة وعليها أن تفصح وتصرح وهي التي دائما ما تدعو للشفافية والإفصاح والوضوح، عليها أن توضح لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ أما السكوت والوعود المفتوحة المدة فلن تغني شيئاً.
alakil@hotmail.com