انطلقت فعاليات مهرجان الجنادرية الثاني والعشرين لهذا العام بشكل جديد، وحلة جديدة مكتسية صفات الأصالة والموروث التاريخي والإنساني لأبناء الجزيرة العربية الذين هم جزء لا يتجزء من منظومة الثقافة العربية ككل، ولقد شكل هذه المهرجان - وعلى مر السنين الماضية - منبراً للأصالة والتأصيل الثفافي والمعرفي الذي انبثقت من دياره في الأساس ثقافة الخير والنماء للبشرية جمعاء عبر مفاهيم الإسلام والسماحة الإنسانية التي عبرت إلى أرجاء العالم عن طريق معايير الحق والعدل والمساواة، وبأسلوب وطريقة {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
والآن وفي ظل ما يجتاح العالم من تيار ثقافي استعماري عارم، وطدت له مفاهيم العولمة وواقعها الذي انبثق من الأحادية القطبية التي تتحكم في العالم عبر السيطرة المتفردة, فإن ثقافة الشعوب وخصوصياتهم أصبحت بمرمى أهداف هذا الاستعمار الثقافي الذكي عن طريق نشر المفاهيم والتغليفات الأمريكية الاجتماعية والذوقية التي أصبحت هي المهدد الأول للبقاء الثقافي والفكري لأبناء الحضارات المنافسة التي تحمل مقومات الاستمرارية والبقاء لما تحتويه فسيفسائها من أصالة التفكير ومرونة التطبيق.. ومنها - بلا شك - الحضارة الإسلامية والعربية, وهو الأمر الذي انتبهت إليه كثير من الدول، وبالذات الأوروبية، وأخذت تعد العدة لمواجهته عن طريق تكريس الملامح الحضارية الخاصة وتثبيتها بمجتمعاتها من خلال عقد المهرجان والفعاليات السنوية التي تحافظ على ديمومة الفكر الانطباعي والحضاري وحصانتها لشعوبها، وتحميه من موجات الاستعمار والغزو الثقافي الآخر.
إن مهرجان الجنادرية وما له وبه من تأصيل وتكريس للتراث الاجتماعي والتاريخي لأبناء المملكة العربية السعودية يشكل حصناً منيعاً وسداً قوياً أمام محاولات السلخ والمسخ الاجتماعي والثقافي التي أصبحت تهدد كثيراً من المجتمعات, خصوصاً أن الكيانات العربية والخليجية منها بالذات تمر في هذه الحقبة بمرحلة مخاض عسيرة، قد تنتج عنها بعض التغيرات في نسقها الاجتماعي والإنساني التي أن أريد لها أن تمر بسلام ومرونة تغييرية، فلا بد أن تكون منبثقة من بوتقة خصوصية الشعوب وخلفياتها الثقافية والمعرفية.. وهذا ما يقودنا إلى إشكالية الفكر المقلد والفكر الأصيل.
فجميع الدول التي تعرضت إلى محاولة زرع مفاهيم الديمقراطية الغربية - وبشكل فجائي فظ - تعرضت إلى ما يشابه الصدمة الحضارية والثقافية لما وجهته إليه من انعزال وابتعاد عن نسقها المعرفي وموروثها الاجتماعي والمعرفي.
إن مسيرة الإصلاح في العالم العربي والسعودية أحد أركانه لا بد أن تنبثق في الأساس من الخلفيات الثقافية والتاريخية لتحقيق معادلة الإصلاح العقلاني الذي يجمع في فلسفته بين الأخذ بمفاهيم العصرنة والحداثة والتغيير مع الاحتفاظ والتمسك بالتراث التاريخي والفكري للشعوب لتكون التراكمية التراثية والتاريخية بمثابة البنية التحتية الصلبة لأي إصلاح حتى لا تتعرض الكيانات الاجتماعية للصدمة الحضارية التي تعقبها ظاهرة ما يعرف بالانسلاخ الحضاري.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244