رغم أن أنظمة الصحافة والنشر واضحة فيما يخص الإعلانات التجارية والإعلانات التحريرية حفاظاً على حقوق الصحف والقارئ؛ إلا أن هذا النظام منتهك في كثير من الصحف؛ ففي الوقت الذي تمثل فيه الإعلانات مصدر تمويل رئيسي لها ومعياراً للنجاح والانتشار نجد الصحف تخسر كثيراً بسبب تمرير الكثير من الإعلانات بشكل خبر أو مقال للثناء على خدمة أو تمجيد شركة تجارية في قالب صحفي يختلف تماماً عن الإعلان التحريري وبدون مقابل مادي للصحيفة.
فلمصلحة من تمرر مثل هذه الإعلانات ؟! فالمادة الثانية والثلاثون من أنظمة الصحافة والنشر تنص على أنه (يجوز نشر الإعلانات التحريرية للمؤسسات والأفراد (بشرط) الإشارة إلى أنها مادة إعلانية) وهذا الشرط فيه حفظ لمصداقية الصحيفة وحفظ لحقها المادي.
أما تمرير الرسالة الإعلانية مجانا بشكل من أشكال القوالب الصحفية ففيه إضرار بالصحيفة واختلاس لمواردها المالية وتحايل على عقلية المتلقي.
ففي الصحافة الرياضية مثلاً نجد بعض الأطروحات الإعلامية تبالغ كثيراً في الثناء على الشركات التجارية التي ترتبط بعقود استثمارية مع الأندية الرياضية وتصور هذه العقود على أنها خدمة جليلة للرياضة أو أنها عمل خيري ينطلق من الروح الوطنية فقط!! وهي في الحقيقة مصلحة مشتركة بين المؤسسات الرياضية والشركات التجارية التي تستفيد من شعبية الرياضة للترويج لسلعة أو خدمة معينة، وعادة ما تكون هذه الشركات هي المستفيد الأكبر.
فمثلاً نجد أن نصيب الأندية من خدمة جوالاتها 25% فقط مقابل 75% للشركات المستثمرة، فهل هذه خدمة وطنية أم عمل تجاري بحت؟ ثم إن ميزانية الحملات الإعلانية لهذه الشركات قد انخفضت كثيراً بسبب استطاعة هذه الشركات تمرير رسائلها الإعلانية للمستهلك (مجاناً) من خلال بعض الأقلام الصحفية، ومثل هذا النموذج جعل الإعلانات التجارية تخرج عن السيطرة وتتسبب في خسائر مالية للمؤسسات الصحفية، كما أن فيه تعدياً واضحاً على مسؤوليات وحقوق موظفي قسم الإعلانات.
وعلى صعيد آخر نجد حملات دعائية (أظنها مجانية) لشخصيات رياضية لم تقدم شيئاً يذكر لرياضة الوطن، وربما اقتصرت شهرتها على المواقف السلبية وحسب الظهور وبث التعصب وتقاذف التهم مع الأطراف المختلفة.
وهناك أيضاً حملات دعائية مضادة للنيل من شخص أو نادٍ أو مسؤول رياضي أو لاعب، وهذا ما يجعل القارئ يجد صعوبة في تمييز الإعلان التحريري المدفوع عن المادة التحريرية المهنية، وقد خلصت إحدى الدراسات المتخصصة عن الصحافة العربية أن90% من القراء يجدون صعوبة في تمييز ذلك!!
وهنا أوجه دعوة للمعنيين في المؤسسات الصحفية لإجراء دراسة لمدة معينة وفق المنطق الاقتصادي لفرز المساحات التي خلط فيها الإعلان بالتحرير، لمعرفة مدى التجاوزات تتراوح بين العفوية والمجاملة في كثير من الأحيان وتصل إلى الانتهازية والفساد أحياناً أخرى.
فهذه الدراسة ستوقف نزيف الموارد المالية وتساهم في حل الأزمات المالية للصحف إذا أعدت بشكل جيد.
فإما أن تكون صحفياً أميناً أو تكون مندوب إعلانات محترفاً وواضحاً في تعاملك؛ فالأمانة الصحفية وحقوق القارئ ومصداقية الصحيفة تفرض الوضوح في هذا الشأن.
nizar595@hotmail.com