أجمعت القوى الوطنية الفلسطينية وكوادر الفصائل جمعاء على دعم مبادرة خادم الحرمين الشريفين التي أطلقتها المملكة العربية السعودية لحقن دماء أبناء الشعب الفلسطيني وصيانة وحدته الوطنية التي هي بمثابة صمام الأمان الوحيد لهذا الشعب المنكوب بممارسات الاحتلال وغطرسته، وإن دل هذا الإجماع على شيء، فإنما يدل على رغبة عقلاء الفلسطينيين بإيقاف نزيف الدم الوطني الناتج عن الاقتتال الداخلي بين رفقاء النضال والسلاح التاريخي، كما أنه دليل وبرهان على المكانة التي تتبوؤها المملكة العربية السعودية في محيطها العربي الذي لا يختلف عليه اثنان على جوهرية الدور السعودي فيه، والمبني على نزاهة الوساطة وحيادية المبادرة.. إلا أن الإخوة الفلسطينيين، وفي ظل تأييدهم العارم للمبادرة السعودية، مطالبون أيضاً بإبداء أكبر قدر من الحيطة والحذر تجاه بعض المساعي المبذولة من قبل بعض الأطراف سواء كانت هذه الأطراف من الداخل الفلسطيني أو من خارجه، فمن المعروف أن تاريخ الحركات النضالية والثورية كان دائماً مقروناً بوجود عناصر ارتجالية وغوغائية تشكل عبئاً معيناً على صناعة القرار النضالي الذي عادة ما تصطدم نتائجه وجهوده بعراقيل وقناعات أولئك الأشخاص الذين ركبوا قطار الثورة والحركات التحررية، وتعلقوا بحبالها، وهم في الأساس لا يشكلون إلا نمطاً وأنموذجاً لفوضوية الكفاح المسلح واعتباطية العمل السياسي وغوغائيته، وهذا ما تبين للمتابعين من خلال الأزمة الأخيرة بين فتح وحماس، فمفاصل الصراع والاحتراب لم تنطلق شرارتها المسلحة من القمة، بل عادة ما يثيرها (صغار المسلحين) و(زعران الشارع السياسي) الذين لا يولون اهتماماً في قداسة الوحدة وحساسية إشهار السلاح على الآخر، فلذلك فإن حماس وفتح مطالبتان - وبشكل جدي - بلجم جماح هؤلاء الأشخاص والضرب بيد من حديد على كل من يفكر في إذكاء نار الفتنة والاختلاف، وإعطاء إسرائيل الذرائع والمسببات لممارساتها القمعية والاحتلالية التي تجد في الاحتراب الفلسطيني أرضاً خصبة ومسوغات سياسية لتنفيذ أجندتها العسكرية والاستيطانية.
إن العالم أجمع يراقب الفلسطينيين عن كثب بعدما تحولت بوصلة أسلحتهم من التصويب إلى نحور المحتلين إلى صدور بعضهم بعضاً، وأكثر ما يخشاه الحريصون على شعبنا الفلسطيني في مسيرته النضالية هو أن تنفض يد العون السياسي عن الأراضي الفلسطينية نتيجة الفوضى الأمنية التي ستقود إلى حرب أهلية تعلن بعدها المنطقة الفلسطينية أرضاً منكوبة سياسياً، فتترك لإسرائيل مهمة ضبطها بعقلية الاحتلال والبطش بعدما فرقت وشتت مطامع الحكم أهلها الأصليين، وبددت مشروعهم الوطني، عندها سيعود الأمر إلى ما كان عليه ويرجع المشروع النضالي الفلسطيني إلى مربعه الأول.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244