Al Jazirah NewsPaper Friday  02/02/2007 G Issue 12545
رأي الجزيرة
الجمعة 14 محرم 1428   العدد  12545
الفكر المقلد والأصيل

من حين لآخر وبين الفينة والأخرى، وفي فعاليات المؤتمرات السياسية والفكرية، خصوصاً التي تُعنى بالشرق الأوسط، يتكلم الساسة والمفكرون الغربيون والأمريكيون منهم بالذات، عن ضرورة تصدير الديموقراطية وزراعتها في الشرق الأوسط بشكل عام والعالم العربي منه بشكل خاص، وما مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الإدارة الأمريكية إلا نموذج حي وواضح لاستهداف المنطقة العربية تحت مسميات الإصلاح والتغيير التي يراد لها أن تكون بوابة دخول وولوج إلى العالم العربي من أجل طمس هويته الثقافية والقومية، كنوع ونمط جديد للاستعمار الحديث، الذي تحول من الدهم والاحتلال للأراضي واستلاب خيراتها، إلى احتلال الهويات والثقافات وتدمير خصوصيات الشعوب تحت مسمى الديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان التي أصبحت بمثابة السيف المسلط على رقاب استقرار وديمومة دول العالم العربي.

ولقد أثبتت تجارب التاريخ عامة ومن خلال استعمار الدول، ومنها العربية بالذات، على أن الشعوب قد جُبلت واعتادت على لفظ وقذف الهويات والثقافات وأنماط التفكير الدخيلة عليها التي كانت تأتي إليها سابقاً على أسنة سلاح الاستعمار القديم. أما في الوقت الحالي فقد بدأت تصدر وتتسرب وتسرب من خلال أجندات الديمقراطية والحداثة والعصرنة المزعومة.

لا يعني مما تقدم في السطور السابقة أننا ندعو إلى التقوقع حول الذات والجنوح والركون إلى طوباويات الرجعية والفاشية السياسية التي فرّخت مراكز الاعتقال وعقليات الاضطهار الجماعي في كثير من الدول العربية، وخصوصاً من ركبت قطار الاشتراكية في السنين الخوالي فتخلفت عن قطار التنمية السياسية وفوتت على شعوبها رحلات السفر مع العقل البشري في تطوره الاقتصادي والاجتماعي والمدني؛ فأنتجت مجتمعات وأنظمة ممسوخة تائهة بين التمسك بثوابت التاريخ العاطفي والأيدلوجي القديم والحنين إلى ميديائه الدعائية ومخدراته السياسية، وبين ضرورات اللحاق بركب التطور والعصرنة التي تفرضها مسلمات الواقع وأبسط الفهم لبديهيات الأمور.إن قضية الإصلاح - ونعني به كل مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية - وعندما نقول الإصلاح الإنساني، فإن قضايا المرأة وتفعيلها في مجتمعاتها في صدارة هذا الفهم ومقدماته وأولوياته، شريطة أن تأتي هذه المقدمات الإصلاحية من صلب المجتمعات ومنبثقة من تجاربها التاريخية وتراكمياتها العقلانية المبنية على التدرج والتراتب السليم البعيد كل البعد عن أساليب وطرق فرض النمط الخارجي تحت شتى المسميات والادعاءات التي ظاهرها برّاق، وباطنها قاتم لا ينم إلا عن جشع استعماري ونهم استبدادي عالمي، يطمح إلى استلاب خيرات الشعوب من خلال استلاب هوياتها الثقافية والقومية.

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد