في الخمسينيات الميلادية ولربما إلى أواخر الستينيات كانت الإذاعة هي أهم جهاز في الدولة، ولا سيما في الوطن العربي أيام الانقلابات الفجائية لدرجة أنه قيل في أحد بلداننا العربية إن الضابط الذي يستيقظ قبل زملائه ويتوجه إلى الإذاعة ويذيع البيان رقم واحد هو من يصبح رئيساً للجمهورية، ولو ليوم واحد !! ذلك لما عرف عن ذلك البلد من كثرة انقلابات الضباط- لذلك كانت الإذاعة مهمة جداً، ولا تسمح الدولة لأي مذيع أن يُخطئ بكلمة واحدة حتى في مجال (النحو). وأذكر في هذا الصدد أن أحد أصدقائي من مذيعي إذاعة الكويت في السبعينيات الميلادية كاد أن يطرد ويتعرض للمحاكمة هو وزميلة مذيعة كانا يتبادلان قراءة نشرة الأخبار الصباحية؛ إذ إن المذيعة وأثناء القراءة شاهدت صرصارا يتحرك على ساقها، وكانت تُشير للمذيع أن يخلصها من الصرصار، فخجل المذيع واحتار في التصرف مما جعل المذيعة تصرخ والمذيع يضحك وحينما اُستدعي المذيعان للمحاكمة كانت القضية مضحكة لأن وزير الإعلام آنذاك قرر محاكمة مدير الإذاعة التي تدب فيها الصراصير، الأمر الذي جعل المدير ينفي هذه الحكاية التي تدين قذارة الاستوديو بل عزا الأمر إلى قلة أدب المذيعين اللذين كانا بالفعل من خيرة المذيعين واللذين يتميزان بدماثة الخلق والأدب.
**
ما عينا من ذلك كله، إلا أننا نعرف جيداً أهمية الإذاعة وعدم التساهل بقبول أي خطأ فيها حتى ولو كان عفوياً، وحينما ظهرت التلفزيونات كانت الرقابة أكثر تشدداً وأكثر حراسة؛ لأنها تنقل الصوت والصورة معاً، هذا بالطبع كان في الماضي أما اليوم وبسبب (رخص) وانتشار المحطات الفضائية (الخاصة) فقد أصبح بمقدور أي بقَّال أن يفتح له بجانب البقالة فضائية خاصة، يبث فيها ما يشاء ولا يتعرض للمساءلة أوالعقاب؛ لأن ترخيصه من الخارج وبثه من الخارج أيضاً.. واليوم أيضاً ونحن نرى انتشار الفضائيات الشعبية التي تهتم بالشعر والتراث بشكل خاص، وكذلك المحطات الغنائية التي يُطل منها رجال شاحبون ونساء خليعات وشعراء سفهاء لا يفقهون ما يقولون ويساندهم مشاهدون جهلة، يرسلون لهم المسجات التي تُثير النعرات القبلية دون أن يعرف المشرفون على (الكنترول) معاني مفرداتهم التي عادة ما تشي بالبذاءة والجهل والقبلية، فكيف يتم السيطرة على تلك الفضائيات التي تبث بعضها الرذيلة والقماءة والعصبية المقيتة، وتقدم للجيل ثقافة المهايط واللهجة القبلية والعصبية العمياء. أي بمعنى آخر إننا ندعو إلى اتحاد أو نقابة عربية تقوم بمنح الرخص، أو يكون الانتماء إليها شرطاً للحصول على الترخيص تتضمن التزام صاحب (البقالة الفضائية) أن يلتزم بالأخلاق والقيم والآداب العامة. وهذا ما نطمح إليه لئلا ينشأ لدينا جيل لا يعرف إلا (المهايط) والبذاءة والتعصب الأعمى، وذلك ما نرجوه فعلاً.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7555» ثم أرسلها إلى الكود 82244