Al Jazirah NewsPaper Thursday  01/02/2007 G Issue 12544
مقـالات
الخميس 13 محرم 1428   العدد  12544
فرضته (اللحظة اللبنانية)
تحدٍ جديد أمام الدبلوماسية السعودية
د. صالح بن سبعان

بتحرك بسيط وسريع غير معلن، لم تسبقه تصريحات أو إعلانات تكشف عنه وعن طبيعته ومهمته، استطاعت المملكة، فيما تجمع التحليلات السياسية الخارجية، أن تخمد - ولو إلى حين - نيران الفتنة التي بدأت في لبنان وبلغت ذروة التصعيد يوم الثلاثاء (4 محرم) وكان المخطط لها أن تتصاعد في اليومين التاليين حسب تصريحات زعيم (حزب الله).

والواضح لمن يقرأ سطور الدبلوماسية السعودية المتكتمة، أنها بصدد الإعداد، أو هي بدأت بالفعل في طبخ صيغة للخروج النهائي من نفق الأزمة اللبنانية المظلم، حيث أرسلت القيادة السعودية الأمير بندر بن سلطان لمقابلة المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية لوضع اللمسات ما قبل الأخيرة لما ستطرحه.

وكانت المملكة - وقبل اشتعال النيران في شوارع بيروت يوم الثلاثاء - تبذل جهوداً حثيثة من وراء الستار، مع فرقاء الأزمة ممثلين من حزب الله وأحزاب الأكثرية البرلمانية ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ونقاطها المبدئية في حواراتها مع كافة الأطراف واضحة، وهي الوفاق الوطني عن طريق الحوار الذي يقود إلى حل سلمي للأزمة حفاظاً على الدولة وتماسكها.

وقد كان سمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل واضحاً وهو يعلن بأن اللبنانيين إذا توقفت التدخلات الخارجية في شؤونهم قادرون على التوصل إلى حلول توافقية عن طريق الحوار.

إلا أن السعودية حين فوجئت بعنف وتصعيد المعارضة الأخير قامت بجهد كبير في اتصالها بالمسؤولين الإيرانيين لمعالجة الأزمة بما يحول دون (مذهبتها) وتفجرها فتأخذ مساراً (سنياً - شيعياً) وكما أفادت مصادر قيادية في المعارضة اللبنانية فإن هذه الاتصالات السعودية أدت بعد ظهر يوم الثلاثاء إلى اتصالات إيرانية بقيادة حزب الله مساء لوقف التحرك التصعيدي (الحياة، الخميس 25 يناير، العدد 16001).

وقد اعترف بهذا الدور - إذا كان هناك من لا يزال يحتاج إلى تأكيد - نبيه بري رئيس المجلس النيابي الذي صرح بأن التعاون السعودي الإيراني كان من أكبر عوامل منع الكارثة والحؤول دون اشتعال الفتنة (السنية - الشيعية) ليس في لبنان فحسب، بل وفي العراق أيضاً، وأكد ذلك قائلاً:(لقد لمست ذلك من خلال مقابلتي الأخيرة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال زيارتي للمملكة) (الحياة، العدد 16001).

وعلى كل حال فإن الدبلوماسية السعودية التي امتدت يدها من قبل للأشقاء في لبنان بصيغة (وثيقة الطائف) قادرة بخبرتها على الخروج بصيغة أخرى تضع في اعتبارها مستجدات الوضع السياسي الراهن في لبنان، وفي المنطقة كلها، وأن تتبلور هذه الرؤية التوافقية، التي سيكون للدول المؤثرة في الشأن اللبناني الداخلي دور والتزامات فيها، في وثيقة الطائف بصيغتها المطورة، أو في شكل وثيقة جديدة.

على كل، ما يدعوني إلى كتابة هذا ليس ما يحدث في لبنان تحديداً، ولكن ما يختص منه بالدور الذي تلعبه المملكة، ويمكن أن تلعبه في محيطها: القومي- الإقليمي، والديني- الدولي. إذ إنني أرى بأن الوقت قد آن لأن تلعب دورها الإيجابي المفترض أن تلعبه، وقد تهيأت الآن كل ظروفها ومعطياتها الذاتية لأن تلعبه.

فالسعودية مؤهلة الآن، سواء من حيث موقعها الجغرافي السياسي، أو الاقتصادي، أو الديني العالمي، والتي - كل هذه المواقع - تعطيها قوة التأثير - المباشر منه وغير المباشر - لأن تلعب دوراً أكبر في إحلال السلام والتوفيق بين الفرقاء وتدشين وترسيخ منهج الحوار والتوافق في فض النزاعات الإقليمية والدولية.

وإذا كانت سياسة المملكة الخارجية القائمة على مبادئ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والسعي لحل المنازعات بالطرق السلمية - ما أمكن ذلك - منذ إنشائها، ظلت هي المنهج الثابت في سياساتها الخارجية، فإنها كثيراً ما كانت تفعل ذلك استجابة لمناشدات الغير.، سواء كان (الغير) المعني طرفاً مباشراً في النزاع، أو طرفاً غير مباشر.

إلا أننا نرى أن الوقت قد حان، وقد أثبتت التجربة اللبنانية مدى نجاعة وفعالية الدور السعودي حين يكون (مبادرة) ذاتية منها، لأن تبدأ انطلاقاً من هذه اللحظة اللبنانية، في برمجة شاملة واستراتيجية لمبادراتها الذاتية، وبشكل أكثر كثافة وفاعلية، لاطفاء بؤر النيران والتوترات على الأقل، وكمرحلة أولى، في المناطق التي تستطيع أن تمارس فيها هذا الدور بما لديها من رصيد سياسي واقتصادي ومعنوي، يجعل لكلمتها فيها، من النفوذ والقبول، ما يضمن نجاح مبادراتها الخيِّرة.

وإن هذا إذا ما تم فإنه لن يتعارض إطلاقاً مع الدور الذي ينبغي أن تلعبه جامعة الدول العربية، أو أي منظمات إقليمية في مناطق التوترات.

فطالما أن نتيجة المسعى السياسي المتوخاة والمرجوة واحدة، فإن إطلاق مثل هذه المبادرات يمكن أن يتم بالتنسيق، أو عبر، هذه المنظمات الإقليمية، كما أن هذه المنظمات تستطيع أيضا أن تتولى متابعة تنفيذ تفاصيل الاتفاقات التي تقترحها وترعاها المملكة، أو أن تقوم بتفعيلها.

وقد رأينا كيف أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين في قمة بيروت أصبحت (المبادرة العربية) وكيف أنها تجولت في قاعات الاجتماعات الدولية والاقليمية تحت هذا المسمى، بعد أن تبنتها الدول والجامعة العربية كحل عادل للصراع العربي - الإسرائيلي برمته.

ما يدعوني إلى طرح هذا الاقتراح على الدبلوماسية السعودية هو واقع ما تشهده الدول والمجتمعات العربية والإسلامية من حالة تشرذم واختلاف واقتتال وفتن استشرت حتى أصبحت بؤرة صراع سياسي وعسكري للعالم كله. ولا يخفى على أحد مهما تغافل أو أنكر، ولوغ وتورط أيدٍ أجنبية ذات مصلحة في هذه الفوضى العربية والإسلامية العارمة.

وقد أثبتت التجارب أن غياب أو ضعف تدخل جامعة الدول لحل النزاعات بين أطراف دولها الأعضاء يترك الباب مشرعاً أمام تدخل الدول الكبرى وذات النفوذ، والتي بالطبع تحركها مصالحها الاقتصادية والسياسية، والتي قد تتطلب في كثير من الأحيان انتهاج سياسات تؤدي إلى تمزيق الدولة وتقسيمها، مثلما يحدث في العراق والسودان، أو تعميق عوامل الفرقة والاحتراب مثلما يحدث في لبنان وفلسطين.

والسعودية قيادة ودولة تعي بأن تغذية عوامل التمزيق والاحتراب والتقسيم في محيطها العربي والإسلامي إنما تشكل تهديداً لأمنها القومي، لأن هذه النيران تشتعل في مجالها الحيوي، ولن تكون هي بمنجى منه طال الزمن أم قصر.

لذا فإن عليها مسؤولية تفعيل دورها الإطفائي، وفي هذا الوقت، وحبذا لو بدأت بالملفين الصومالي والدارفوري السوداني، لأن أطراف النزاع في هاتين البؤرتين تتمتع المملكة بمكانة خاصة بينهما، لأنهما ينظران إلى المملكة كقبلة لكل المسلمين.على الأقل دعونا نحاول أن نتدخل بالخير بين المتنازعين امتثالاً لما أمرنا الله به، وليس أجدر ولا أحق من السعودية أن تمتثل لأمر الله، وظلت تطبقه منذ نشأتها كدولة، ولكنها الآن، أكثر من أي وقت مضى، مطالبة بأن تلعب هذا الدور في التوفيق وإشاعة السلام بين المسلمين.فهذا هو دورها.. وهي به أجدر.. وهي عليه أقدر بإذن الله سبحانه وتعالى.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7692» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد