صعَّدت المعارضة اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله من نبرة تحديها داعيةً إلى إضراب عام يشمل جميع مناطق لبنان يوم الثلاثاء القادم؛ من أجل زيادة الضغط على حكومة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة؛ لتحقيق مطالبها التي لا يفتأ حسن نصر الله يكررها، مع تأكيده أن المعارضة ليس لديها جدول أو إطار زمني لإنهاء الاحتجاجات، ما يعني أن الأزمة التي يمر بها لبنان قد دخلت مرحلة كسر العظم بين الفرقاء اللبنانيين، خصوصاً مع القيام بإضراب شامل سيعطل حياة اللبنانيين ويزيد من أعباء المعيشة عليهم، مما يهدد بتفاقم الأزمة الحالية وخروجها - لا سمح الله - عن إمكانات السيطرة والتحكم، ومن أيدي أولئك الذين خلقوها وافتعلوها لخدمة أجنداتهم الخاصة المستمدة من تعليمات الخارج وتوجيهات المصالح الإقليمية لدول جوار لبنان.
لقد علمتنا تجارب التاريخ أن افتعال القلاقل والاحتجاجات في الدول ذات التكوينات الطائفية والاثنية المتعددة دائماً ما تكون مقدمات ومسببات لموجات التفكك والتشرذم الوطني والقومي، حيث يركب أبطاله المعروفون والمجهولون قطار الأحداث ويمتطون صهوة جياد التغيير، لتحقيق مآربهم وأهدافهم المشبوهة التي وللأسف الشديد عادة ما تتم وفي غفلة من الزمان تحت شعارات الوطنية وحرية التعبير والاحتكام للشارع. فمن حين لآخر يتشدق بعض ساسة العالم العربي ومتحذلقي تعرجات الثقافة العربية بقضية الاحتكام للشارع التي تصل أحياناً إلى مستوى التهديد، واتخاذه كأداة ضغط لجني المكاسب وتثبيت الطموحات، ولكن من دون قصد التقليل من شأن الشارع العربي فكلنا نعلم داء الانقياد الذي يعاني منه هذا الشارع وعدم قدرته على الانعتاق من فلسفة الانقياد خلف الزعيم والمهيج السياسي الذي مكنته مستويات التخدير التي وصل إليها هذا الشارع من القدرة على استنفاره بصيحة مذهبية واحدة أو خطبة سياسية عارمة، تسقط بعدها أولويات الوحدة وتنهار خلالها عقلانيات الأمور. لقد ظل الشارع العربي تواقاً دائماً التي التنفيس عن تراكمية الكبت السياسي التي عاناها على مر السنين، وذلك ما يتأتى له من خلال دعوات المظاهرات والاعتصامات التي أصبحت بالنسبة إليه منفذا ومتنفساً لما حرم منه من حقوق طبيعة وبديهة لا يحصل عليها إلا في أوقات الأزمات والارتباكات الوطنية، وهو الأمر الذي يمارسه السادة المنتسبون إلى ثقافة الاعتصامات والإضرابات وضجيج المظاهرات بنوع من انعدام المسؤولية والانتماء إن لم تأت تلك الممارسات كنوع من إقناع الذات وجرها قصراً إلى الانتماء والتعبير. إن ما تمر به الساحة السياسية اللبنانية من اختناق طائفي ومذهبي مسيس يجعل من البلاد على مقربة من مرمى مدفع التفجير، ذلك التفجير الذي ستكون أولى مسبباته وأدواته قناعات الاحتكام إلى الشارع، وإقحامه في حساسيات السياسية التي لا يفقهها الكثير، وهو ما يحتم على جميع أقطاب الأزمة السياسية في لبنان نقل جميع خلافاتهم وانقساماتهم بعيداً عن الشارع وغوغائيته وتعصبه العشوائي المتطرف أحياناً والبري أحياناً أخرى؛ حتى لا يصبح الشرارة التي تنطلق منها النار وحتى لا يفلت الجنون من عقاله.