إعداد الدكتور: علي نور الدين إسماعيل
يعدّ ملف المياه من أسخن ملفات التنمية الاقتصادية الاجتماعية في المملكة التي أثارت كثيراً من الجدل، فشح المياه وندرتها في بلد يتسم بالجفاف من أهم العوامل التي تحد من التنمية في كافة القطاعات الإنتاجية وقطاعات الخدمات.
ولقد أولت المملكة منذ نشأتها على يد المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود اهتماماً متزايداً لقطاع المياه، وتم في عهد جلالته إنشاء العديد من الإدارات المعنية بشؤون المياه والموافقة الكريمة على تنفيذ بعض المشاريع المائية. ومنذ وفاة جلالته وحتى الوقت الحاضر أدركت الدولة أهمية هذا القطاع الحيوي في تفعيل اقتصاديات المملكة، واتخذت العديد من الإجراءات التنفيذية لضمان توفير المياه المأمونة وبكميات كافية لتغطية الطلب المتزايد لقطاعات التنمية المتنوعة وبما يحقق الرفاه الاجتماعي للمواطن السعودي.
وخلال العقود الأربعة الماضية قامت المملكة بتمويل العديد من المشاريع التنموية لقطاع المياه بما يزيد عن مائة وخمسين بليون ريال وحققت إنجازات ملحوظة تتمثل أساساً في الجوانب التالية:
- حفر الآلاف من الآبار واستغلال المياه من الطبقات المائية السطحية والجوفية لتلبية الطلب على المياه للقطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة وقطاعات خدمات التنمية المختلفة كالبلديات والصحة والحج وغيرها.
- تغطية مدن المملكة ومحافظاتها ومراكزها الحضرية بخدمات المياه والصرف الصحي، ويشمل ذلك شبكات التوزيع والتوصيلات والمرافق المساعدة من خزانات مياه ووحدات ضخ ومحطات معالجة وما إليها... وتشير خطة التنمية الثامنة إلى أن إجمالي أطوال شبكات المياه حتى عام 1424 - 1425هـ بلغت (36) ألف كيلومتر فيما يبلغ إجمالي أطوال شبكات الصرف الصحي في نفس العام نحو (13) ألف كيلومتر.
- التوسع في إنشاء محطات التحلية على ساحلي البحر الأحمر غرباً والخليج العربي شرقاً بهدف تأمين المياه العذبة وتعضيد الموارد المائية الجوفية في حالة عدم إيفائها لمتطلبات مياه الشرب خاصة في المدن الداخلية الكبرى والمدن الساحلية، وتقدّر إجمالي الطاقة التصديرية من محطات التحلية بالمملكة بنحو (2.9) مليون متر مكعب يومياً أي أكثر من بليون متر مكعب سنوياً. وتنتج محطات التحلية الست على ساحل الخليج العربي نصف هذه الطاقة تقريباً، تستفيد منها مدينة الرياض العاصمة ومدن المنطقة الشرقية (الدمام والخبر والظهران والجبيل والخفجي)، أما محطات التحلية على البحر الأحمر - وقوامها (24) محطة - فيستفيد منها مدن مكة المكرمة وجدة والطائف والمدينة المنورة وما جاورها، ومجمع أبها - الخميس وأحد رفيدة في عسير، بالإضافة إلى عدد من المدن الساحلية المطلة على البحر الأحمر (الوجه، ضباء، حقل، رابغ، البرك، وجزيرة فرسان).
وهذا يعني ببساطة أن 80% على الأقل من سكان المملكة في المناطق الحضرية يتمتعون بمياه شرب نقيه تدخل فيها مياه التحلية - مباشرة أو منقولة عبر الأنابيب - وبنسبة تتراوح ما بين (60%) كما هو الحال في الرياض إلى (90%) كما هو الحال في جدة والخفجي وضباء وغيرها من المدن الساحلية.
- إنشاء السدود لحجز المياه السطحية والاستفادة المباشرة منها، وذلك بغرض تغذية المياه الجوفية وتوفير مياه الري، وتأمين مياه الشرب - خاصة في المناطق الريفية - إضافة إلى الحماية من أخطار السيول وتبلغ الطاقة التخزينية الإجمالية للسدود المقامة حتى 1424 - 1425هـ ما يعادل (836) مليون متر مكعب من (223) سداً. كما أن هناك خطة طموحة لمضاعفة الطاقة التخزينية الحالية باعتماد مشاريع سدود تحت التنفيذ حالياً..
وتجدر الإشارة إلى أن من أهم السدود المقامة ذات التخزين العالي في المملكة، سد خادم الحرمين الشريفين في بيشة الذي تبلغ طاقته التخزينية (325) مليون متر مكعب.
أبعاد أزمة المياه
على الرغم من هذا الكم من الإنجازات غير المسبوقة لقطاع المياه خلال المسيرة التنموية والجهود التي بذلت لتنمية الموارد المائية إلا أن هناك (أزمة) تواجه هذا القطاع أثارت الكثير من الجدل بين صفوف المتخصصين وغير المتخصصين في مجال المياه، فقد نظر إليها البعض كونها أزمة حقيقية أفرزت العديد من النتائج السلبية على المجتمع يصعب تداركها، فيما يؤكد البعض أن الحديث عن تلك الأزمة فيه كثير من المبالغة ويرى عدم التهويل بحجم الأزمة.. وفي كل الحالات فإن النظرة الواقعية لأزمة المياه في المملكة تؤكد على أنها أزمة متعددة الأبعاد لها جوانب اقتصادية وإدارية وفنية واضحة، إضافة إلى جوانب أخرى بيئية وتنظيمية وتشريعية...الخ وهي أبعاد متداخلة ومتصلة فيما بينها وتؤثر على تنمية الموارد المائية بصورة مباشرة.
الأبعاد الاقتصادية لأزمة المياه
في ظل التزايد المستمر على الطلب على المياه للأغراض المختلفة فقد واجهت المملكة مشكلة اقتصادية تتعلق بمراجعة تكلفة إنتاج المياه من مصادرها المتنوعة بسعر يتسق مع التعرفة المقررة.. فالمعلوم أن المملكة توفر المياه حالياً دون قيود للأغراض الزراعية وأن أسعار المياه حسب الشرائح الواردة في هيكل تعرفة المياه للأغراض البلدية أقل بكثير من مستوى تكلفة توفيرها خاصة، وأن ما يعادل نصف هذه الكمية على مستوى المملكة يتم تدبيرها من مياه محلاه ذات تكلفة إنتاج عالية.
الأبعاد الإدارية لأزمة المياه
أنصب اهتمام المملكة خلال مسيرتها التنموية على تحقيق الأمن المائي وتوفير المياه لكافة القطاعات المستهلكة ونجحت بدرجة ملحوظة في إدارة مواردها المائية إلا ان ذلك كان على حساب إدارة الطلب وظهر ذلك جلياً في الممارسات القطاعية الخاطئة، خاصة قطاع الزراعة الذي كان له دور في معظم الاستنزاف الذي أصاب المياه الجوفية غير المتجددة وربما تلوثها.
من ناحية أخرى فقد زاد في ظهور أزمة المياه إدارياً ضعف قنوات الاتصال بين القطاعات المستهلكة للمياه مع أجهزة الرقابة والمراجعة في الجهة المعنية بالموارد المائية وإدارتها.
الأبعاد الفنية لأزمة المياه
تصنف المملكة من الناحية الهيدرولوجية من الدول الفقيرة مائياً وذلك نظراً لضآلة حصتها من الموارد المائية المتجددة سواء كانت مياه سطحية أو جوفية وهو ما دعا المملكة إلى اللجوء إلى استغلال مخزون المياه الجوفية غير المتجددة كخيار (وحيد) لتلبية الطلب على المياه خاصة للأغراض الزراعية.
وتظهر الأبعاد الفنية لأزمة المياه بصورة واضحة من خلال الاستنزاف المتزايد لمخزون المياه الجوفية غير المتجددة مع محدودية الموارد المائية المتجددة.
أبعاد أخرى لأزمة المياه
يندرج تحت هذا المفهوم مجموعة من العوامل التي أسهمت في تفاقم أزمة المياه في المملكة وزيادة حدتها والتي ظهرت نتيجة الممارسات الخاطئة للسياسات المائية الموضوعة ومن أبرزها:
- عدم وضوح الرؤية في تفسير مفهوم الأمن الغذائي حتى وان كان على حساب الأمن المائي.
- التأخر في إصدار خطة وطنية للمياه يلتزم بها كافة مستخدمي المياه.
- المشاركة غير الفاعلة للقطاع الخاص خاصة فيما يتعلق بإدارة المشاريع المائية وتمويلها.
- إهمال الاعتبارات البيئية في التعامل مع المياه والذي أدى إلى تدهور بعض الطبقات الحاملة للمياه بيئياً.
- الاستغلال المحدود للمياه المعالجة من مياه الصرف الصحي أو الزراعي والذي لا يتناسب مع الإمكانات المتاحة من هذا المورد غير التقليدي.
- افتقار التشريعات المنظمة لقطاع المياه إلى بعض الجوانب الضرورية لتلبية احتياجات القطاع وضرورة تحديثها.
- استخدام أساليب تقليدية للري في زراعة المحاصيل خاصة في الحيازات المتوسطة والصغيرة المساحة.
- التأخر الزمني في انطلاق حملات توعية ترشيد استهلاك المياه.
طبيعة أزمة المياه في المملكة
تتسم أزمة المياه بخصوصية منفردة فهي أزمة ليس لها (أي) أبعاد سياسية شأن باقي أزمات المياه المعروفة في الوطن العربي، حيث تشترك دول عربية مع دول أخرى غير عربية في أحواض مياه دولية مشتركة وتكون عرضة للتفاوض أو الهيمنة أو الأطماع.
ومن ثم يمكن النظر إلى أزمة المياه في المملكة كونها أزمة (وطنية) يمكن التعامل معها بعيداً عن الضغوط السياسية والأطماع أو الهيمنة الخارجية الأمر الذي يسمح بوضع أسلوب التخطيط الذي يتناسب مع معطيات الموارد المائية المتاحة وكيفية تحقيق الاستغلال الأمثل لها لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية.
أسلوب التخطيط المتبع لمعالجة أزمة المياه
أدركت المملكة منذ بداية خطط التنمية أهمية
المياه كمحدد رئيس للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ووضعت (قطاع المياه) كقطاع مميز في إطار مجموعة الخطط القطاعية التي تشكل في مجملها الخطة العامة للدولة، واعتمدت التخطيط كمنهج علمي يستخدم للربط بين الأهداف المطلوب تحقيقها لقطاع المياه والخطوات والآليات التي يتعين اتخاذها لهذا القطاع، وعدّ التخطيط لموارد المياه جزءاً لا يتجزأ من عملية التخطيط الشامل وأن توفر المياه للمستهلكين -برغم ندرتها ومحدوديتها- يعدّ عنصراً أساسياً في تحديد مدى نجاح خطط التنمية الشاملة.
وخلال المسيرة التنموية التي شهدتها المملكة خلال الأربعة عقود الماضية، مرت (أزمة) المياه بثلاث مراحل مميزة، لكّل أسلوب تخطيط مختلف في التعامل معها:
المرحلة الأولى: مرحلة غياب الأزمة:
وتغطي فترة خطتي التنمية الأولى والثانية ما بين 1390هـ حتى 1400هـ، حيث كانت الموارد المائية متوفرة بالقدّر الكافي لتغطية الطلب، وتم النظر إلى قطاع المياه كأحد الموارد الاقتصادية التي تحتاج لمواجهة الاحتياجات المتزايدة للمياه خاصة مياه الشرب، وتم وضع مجموعة من السياسات التي تحقق مفهوم تنمية موارد المياه وإدارتها تتمثل في التالي:
- المطالبة بإنشاء الجهاز الإداري الضروري الذي يعمل على توفير الجزء الأكبر من متطلبات المياه.
- تكون الأفضلية لتطوير مصادر المياه المستخدمة لغير الأغراض الزراعية، وعدم السماح بزيادة استخدام المياه للأغراض الزراعية إلا إذا ثبت أن مثل هذه الزيادة تحقق المصلحة العامة على المدى الطويل..
- أن يتم إعداد خطة وطنية شاملة للمياه في (إطار الخطوط العريضة للسياسة الوطنية).
- تأمين مياه تكفي احتياجات المستهلكين للمياه البلدية والتوسع في إنشاء شبكات المياه والصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار.
- التخطيط لإقامة محطات تحلية - مزدوجة الغرض- بهدف خفض تكاليف إنتاج المياه والكهرباء معاً.
- التأكيد على تحسين أساليب المحافظة على موارد المياه وزيادة الوعي العام لدى المواطن بأهمية المياه.
المرحلة الثانية: مرحلة بروز الأزمة:
وهي الفترة الممتدة ما بين عام 1401 - 1420هـ وتغطي أربع خطط تنمية متصلة - من خطة التنمية الثالثة حتى خطة التنمية السادسة-، حيث تم خلال هذه الفترة ازدياد الطلب على المياه لجميع الأغراض بصورة مطردة تفوق قدرة الموارد المائية المتاحة، وتعرضت المملكة إلى أزمة مياه حقيقية ساعد على تفاقمها العوامل التالية:
ا- ارتفاع معدلات النمو السكاني للسعوديين وما صاحب ذلك من زيادة غير مسبوقة للعمالة غير السعودية أدى إلى زيادة الطلب على المياه لتلبية الأغراض البلدية ومياه الشرب من نحو (400) مليون متر مكعب - سنة في بداية الفترة إلى (1750) مليون متر مكعب - سنة مع نهايتها أي تضاعف أكثر من أربع مرات خلال عقدين من الزمان.
ب- التغير الذي حدث في هيكل الاقتصاد غير النفطي وتشجيع الدولة للصناعة الوطنية والاستمرار في تنمية الصناعات الأساسية والصناعات المستندة على الموارد الطبيعية المتوفرة مع تقديم الدعم والقروض الصناعية، ولقد أدى ذلك إلى زيادة الطلب على المياه لتغطية قطاع الصناعة من أقل من (100) مليون متر مكعب عام 1401هـ ليرتفع الطلب إلى (450) مليون متر مكعب عام 1420هـ.
ج - اتجاه الدولة إلى التنمية الزراعية المكثفة وإعطائها دوراً رائداً كمورد اقتصادي يسهم في تنويع القاعدة الاقتصادية ويعمل أيضاً على رفع مستويات الدخول وتحسين مستوى المعيشة للمواطن، خاصة في المناطق الريفية - في هذا الصدد تم التوسع في توزيع الأراضي البور وتقديم الإعانات ومنح القروض بدون فوائد مع شراء المنتج الزراعي بأسعار تشجيعية. ونتيجة لذلك فقد حدثت زيادات ملحوظة في الطلب على المياه للأغراض الزراعية من (1860) مليون متر مكعب عام 1401هـ لتصل إلى (7430) مليون متر مكعب عام 1405هـ ثم تتضاعف إلى (14580) مليون متر مكعب عام 1410هـ وتبلغ أقصاها عام 1420هـ، حيث قدّر الطلب على المياه للأغراض الزراعية (18540) مليون متر مكعب.. وهذا يعني زيادة الطلب للأغراض الزراعية بمعدل عشر مرات خلال فترة لا تتعدى عشرين عاماً..
وفي ظل ازدياد معدلات الطلب لكافة الأغراض ووصول الاستهلاك كمياً إلى مستويات حرجة، وعدم الالتزام بالأولويات الموضوعة فقد ظهرت الحاجة إلى التخطيط وإيجاد الحلول المناسبة لهذه (القضية) الوطنية ذات الأبعاد المتشابكة وهي تتركز في التالي:
- مراجعة السياسات الموضوعة لقطاعي المياه والزراعة والتي تعكس النمط المعقد للعلاقات المترابطة بين العرض والطلب على المياه. وأن يتم إعادة تقييم إعانات حفر الآبار واتخاذ إجراءات لتحديد معدلات الضخ وتركيب عدادات خاصة في المناطق التي تعاني من نقص المياه، وتحديد المناطق التي تعاني من نضوب المياه - خاصة المياه الجوفية غير المتجددة - وبمعدلات حرجة وأيضاً في توزيع الأراضي.. مع تشجيع الاستثمار في المشاريع الزراعية التي تعتمد على مصادر مياه متجددة، والتركيز على استخدام أساليب ري حديثة تساعد على الاقتصاد في استهلاك المياه.
- في مجال تنمية موارد المياه والمحافظة عليها طالبت الخطط المتتابعة بتنمية موارد المياه المتجددة وإقامة السدود، وتطوير تقنيات تحلية المياه المالحة، والتوسع في مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي والزراعي وإعادة استخدامها للأغراض الزراعية والترفيهية مع مراعاة الشروط والمعايير الخاصة بذلك والالتزام التام بتطبيق اللائحة التنفيذية الخاصة بنظام المحافظة على المياه ومراقبة الاستهلاك.
- جعل المياه عنصراً أساسياً ومقياساً في تقدير الكفاءة الاقتصادية، وأن يتم تحديد أداء المرافق المائية والعمل على تخفيض تكلفتها الرأسمالية وتكلفة التشغيل والصيانة في الوقت الذي يجري تطوير آليات تحصيل الإيرادات ووضع تعرفة مناسبة لاستهلاك المياه لكافة المستهلكين وتحقق وفراً في النفقات التشغيلية لإنتاج المياه وتوزيعها.
- المطالبة بسرعة إعداد الخطة الوطنية للمياه وتحديث للدراسات عن الطبقات الحاملة للمياه الجوفية، وإرساء قاعدة للبيانات المائية.
- إعادة تقويم الإطار التنظيمي الخاص بإدارة المياه في المملكة وتطويره لضمان التنسيق وتوجيه الجهات المعنية في جهة واحدة مسئولة وإيجاد آلية للرقابة وتنظيم الاستهلاك والترشيد على أن يكون للقطاع الخاص دور في إدارة مرافق المياه وخدماتها في مجالي التشغيل والصيانة.
- التركيز على إعداد البرامج المناسبة لرفع كفاءة الكوادر السعودية وتطوير قدرتها لمواجهة التطورات المستمرة في أساليب تقنيات المياه.
المرحلة الثالثة: مرحلة مواجهة الأزمة
وهي تبدأ منذ بداية خطة التنمية السابعة عام (1420هـ) ومستمرة حتى الوقت الحاضر، حيث تم خلال تلك المرحلة مواجهة الأزمة في محاولة للحد من تفاقمها وزيادة خطرها على التنمية ومن الدلالات والإجراءات الواضحة التي حدثت وأمكن رصدها خلال هذه المرحلة وتؤكد على نجاح التخطيط وتثبت أهمية اتخاذ أسلوب التخطيط كمنهج تطبيقي أسهم بدرجة كبيرة في حل أزمة المياه ما يلي:
أ- التطوير المؤسسي والتنظيمي لقطاع المياه والذي كان من نتائجه المباشرة فصل شؤون المياه عن وزارة الزراعة وإنشاء وزارة جديدة تحت مسمى وزارة المياه - بقرار مجلس الوزراء رقم (25) وتاريخ 25-4-1422هـ، ويعدّ ذلك مدخلاً إيجابياً لحل أحد أهم أبعاد أزمة المياه والخاص بالبعد الإداري للأزمة.
ب- زيادة الاستثمارات الرأسمالية في المشاريع التي تهتم بتنمية موارد المياه الطبيعية المتجددة وموارد المياه الأخرى غير التقليدية كمياه التحلية ومياه الصرف الصحي المعالجة ويتضح ذلك جلياً في الميزانية السنوية المعتمدة لوزارة المياه والكهرباء بعد إنشائها وأيضاً زيادة نسبة حصتها من فائض الميزانية..
وتركز هذه المشاريع المعتمدة بالميزانية على مضاعفة الطاقة التخزينية للسدود وزيادة نسبة تغطية خدمات المياه والصرف الصحي وما يتبع ذلك من زيادة نسبة مياه الصرف الصحي المعالجة.. وكذلك إضافة محطات تحلية جديدة يسند للقطاع الخاص تنفيذ بعضها..
ولا شك أن العائد من تنفيذ تلك المشاريع سيؤدي إلى (اعتدال) في ميزان المياه، من أبرز ملامحه خفض استهلاك المياه الجوفية غير المتجددة على حساب باقي الموارد المتجددة وغير التقليدية.
ج- الاتجاه نحو وضع إستراتيجية للقطاع الزراعي تجعل التنمية الزراعية في المملكة تنمية مستدامة وذلك بإعادة توزيع التركيب المحصولي مع الأخذ في الاعتبار الموارد المائية والميزة النسبية للمناطق الزراعية.. ولقد تم خلال هذه المرحلة خفض المساحة المحصولية للزراعات كثيفة الاستهلاك للمياه كالأعلاف والحبوب، ومنع تصدير الأعلاف، وأيضاً إيقاف توزيع الأراضي البور لمدة خمس سنوات حتى نهاية عام 1428هـ، والاهتمام باستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في المشاريع الزراعية المتاخمة للمراكز الحضرية.
د- اعتماد مشروع الخطة الوطنية للمياه في خطة التنمية السابعة وما تبع ذلك من إكمال بعض الدراسات عن الطبقات الجوفية الحاملة للمياه، والبدء في تأسيس قواعد بيانات شاملة عن المياه وتحديد أولويات الاستخدام والتشريعات المنظمة واللوائح التنفيذية وغيرها من الجهود والتي تشكل في مجملها إستراتيجية متكاملة للمياه في المملكة.
هـ- وضع قطاعي المياه وتحلية المياه على قمة (لائحة) القطاعات الوطنية المستهدفة بالتخصيص من قبل المجلس الاقتصادي الأعلى، وكانت المبادرة من قطاع تحلية المياه بتخصيص أربع محطات تحلية.
ولقد تم توقيع الاتفاقية الخاصة بأحد هذه المشاريع مع إحدى الشركات الوطنية وذلك لتنفيذ محطة تحلية مزدوجة الغرض لإنتاج المياه والكهرباء على الساحل الغربي للمملكة.
وتعد هذه المبادرة هي الأولى لإنشاء محطة تحلية بمشاركة القطاع الخاص وتشجيعه على الاستثمار في مجال تحلية المياه تنفيذاً وتشغيلاً وإدارة.
الرؤية المستقبلية
ماذا بعد مرحلة (مواجهة) أزمة المياه؟
وهو سؤال استنكاري أكثر منه سؤال استفهامي؟ يتعلق بأسلوب التعامل مع أزمة المياه مستقبلاً!! أو بمعنى آخر ما هي إستراتيجية التخطيط وما يتوقع تحقيقه (لإنهاء) أزمة المياه في المملكة!؟
توضح الرؤية المستقبلية لتخطيط المياه في المملكة أن هناك اتجاهاً إيجابياً للأخذ بالتوجهات العالمية في التعامل مع المياه وأزماتها والتي أقرت في المؤتمرات الدولية الأخيرة الخاصة بالمياه، ويبدو ذلك جلياً في إدراج أساساً إستراتيجياً في إطار الأسس الإستراتيجية للدولة يدعو إلى (اتباع منهج الإدارة المتكاملة للمياه..) وهذا يعني إدارة كافة الموارد المائية الطبيعية وغير التقليدية، وإدارة الطلب عليها بطريقة تحقق أقصى استفادة من تلك الموارد وتضمن المحافظة عليها واستدامتها لمصلحة الأجيال الحالية والمقبلة.
ومن هذا المنطلق فقد تم تحديد عدة محاور للتعامل مع قطاع المياه في المرحلة المقبلة من أجل الخروج من مرحلة مواجهة أزمة المياه والوصول إلى مرحلة (إنهاء) أزمة المياه بإذن الله وهي تتركز في التالي:
ا- تنمية موارد المياه المتجددة وغير التقليدية على أن يواكب ذلك حماية موارد المياه غير المتجددة والمحافظة على مخزونها من الهدر والنضوب.
ب- اتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على المياه بجميع صورها وحمايتها من التلوث والاستنزاف.
ج- تطبيق القيمة الاقتصادية للمياه، ويتطلب ذلك إعادة النظر في الإعانات المقدمة لقطاع الزراعة ووضع تعرفة مناسبة لجميع الأغراض.
د- الاستمرار في عمليات التطوير الإداري ويشمل ذلك تحديث التشريعات المنظمة لقطاع المياه وباقي القطاعات المعنية بالمياه.
هـ- الإسراع في استكمال إستراتيجيتي قطاعي المياه والزراعة، ووضع آليات تنفيذية لتطبيقها مع التنسيق الكامل بين وزارتي المياه والكهرباء والزراعة فيما يخص استهلاك المياه للأغراض الزراعية.