التبغ وما أدراك ما التبغ!! إنه الداء العضال الذي فتك بملايين البشر وتمددت أضراره داخل المجتمعات صحياً واقصادياً واجتماعياً، سأتحدث عنه اليوم من المنظور الاقتصادي، وكيف أنه ألحق باقتصادنا الوطني أضراراً اقتصادية وهي بنظري خسائر (مهملة).
فعندما تتحدث منظمة الصحة العالمية عن موت خمسة ملايين نسمة سنوياً بالعالم بسبب أمراض التدخين، فإن ذلك يعني أنها تتحدث عن أرقام واحصائيات حقيقية وملموسة على أرض الواقع!!
وعندما قالت إن منطقة الشرق الأوسط هي أكثر المناطق استهدافاً من قبل شركات التبغ للترويج لمنتجاتها، فإن ذلك يعني أيضا واقعاً ملموساً وللأسف الشديد فإن المنظمة صنفت منطقة الخليج بأنها الأكثر استخداماً لمشتقات التبغ.
الاقتصاديون شاءوا أم أبوا، فهم أعطوا أولويات لقضايا اقصادية هي الواقع أقل أهمية من هذه القضية والتي أعتبرها شخصيا بأنها قضية اقتصادية حساسة كان بالأولى أن تجد حظها من الاهتمام بالتناول والطرح.
لست اقتصادياً ولا أعرف منه إلا اليسير، ولكني أستطيع أن أجزم أن استيراد التبغ ونتائج استخدامه هي القضية الاقتصادية الأكثر حساسية والتي لم تجد حظها من التناول.. سأترك الحديث للأرقام فقط هنا، وأترك ردود الأفعال للاخوة الاقتصاديين.
واردات التبغ
حسب الاحصائيات الرسمية لمصلحة الجمارك السعودية عن واردات التبغ فإنه وخلال الثماني سنوات الماضية وحدها قد تم استيراد قرابة (300) ألف طن من التبغ بقيمة إجمالية تزيد عن الـ(10) مليارات ريال.
أما بالنظر للواردات غير السمية التي لم توجد لها احصائيات عند الجمارك فهي أيضا تمثل رقما سيزيد بالطبع من نسبة الخسائر الاقتصادية لهذه الآفة.
الأرقام التي حددتها مصلحة الجمارك عن واردات التبغ خلال الفترة من (1998 - 2005م) مقدرة بقرابة الـ(300) ألف طن بقيمة قاربت قيمتها الـ(11) مليار ريال.
الخسائر المباشرة وغير المباشرة
كما اشرت في الفقرة السابقة أن واردات التبغ الرسمية خلال الـ(8) سنوات الماضية كبدت اقتصادنا الوطني أكثر من (10) مليارات ريال وأما الخسائر المادية لعلاج الأمراض التي تسبب فيها التدخين فقد حددها معالي وزير الصحة في الندوة الخليجية الثانية عشرة لمكافحة التبغ التي استضافتها الرياض مؤخراً بأنها تقدر سنويا بـ(5) مليارات ريال، وعن خسائر الحرائق التي تحدث بسبب التدخين هناك حديث ذو شجون لسعادة الفريق سعد بن عبدالله التويجري حيث يقول: إن حوادث الحرائق التي حدثت خلال العام الماضي 1426هـ وكان التدخين سببا مباشراً فيها بلغت (2570) حادثا، أو ليس هذا الرقم بمفجع؟ وكم ستكون الخسائر التي حدثت بسبب هذه الحرائق؟
وفي الاحصائيات العامة لمنظمة الصحة العالمية تقدر خسائر الحرائق بأنها تساوي 30% من الخسائر التي تحدث بسبب التبغ، كما أن هناك خسائر أخرى للتدخين السلبي وهو استشاق غير المدخن لم ينفقه المدخن مما قد يحدث مزيداً من الأمراض التي تحتاج بالطبع لتكاليف علاج يمكن أن تضاف إلى فاتورة الـ(5) مليارات التي حددها معالي الوزير سابقاً.
هناك خسائر أخرى قد يجهلها الكثيرون وهي ساعات العمل المفقودة بسبب تعاطي الدخان ورغم انه لا يوجد احصائيات دقيقة بشأنها إلا أنها تمثل رقما قد سكون مؤثراً إذا ما وضعنا في الحسبان أن نسبة كبيرة من العاملين والموظفين هم من المدخنين، ثم يأتي الحديث عن الخسائر التي اعتبر أنها (منطقية ولا منطقية) وهي ما تتكبده الجهات العاملة في مجال مكافحة التبغ بالمملكة من خسائر في سبيل ثقافة الامتناع عن التدخين والتوعية بأضراره وعلاج المدخنين من أوبائه.
نعم منطقية لأنها تمثل توجها مهما ونبيلا في مجال تحجيم انتشار هذا الوباء والعمل على ايقاف تمدد أثاره السالبة على حياة الفرد والمجتمع والدولة وغير منطقية؛ لأننا يجب أن لا نكون بحاجة إلى ميزانية لتكافح شيئا ضار نستجلبه بأنسنا ونخسر عليه المليارات وعلى نتائج ممارسته أضعافها.
رسالة إلى المسؤولين
وكما أشرت سيكون حديثي فقط عن الاضرار الاقتصادية رغم المخاطر الصحية المتعددة التي تتعرض لها حياة المدخنين جراء ممارسة، التدخين، سأوجه رسالة من القلب إلى كل مسؤول له علاقة بهذه القضية حفاظا على مواردنا الوطنية ولسلامة مجتمعنا السعودي وفق ما يمليه علي ضميري.
العبارة التي تكتب على ظهر باكيت الدخان وهي (التدخين ضار بالصحة) هي عبارة واضحة ولا تحتاج إلى شرح أو تفسير فأين مسؤولية وزارة الصحة تجاه مادة مستوردة من الخارج تقر الشركات المصنعة لها بأنها ضارة بالصحة والأدهى أن وزارة الصحة تخصص ميزانية سنوية لبرنامج مكافحة التدخين التابع لها وهي (10) ملايين ريال، والسؤال المنطقي هو لماذا توافق الوزارة على دخول مادة مضرة بالصحة ثم تقوم بتكوين إدارة لمكافحتها؟
كما أن معالي وزير الصحة اعترف وكما أشرت سابقا بأن ما ينفق على علاج أمراض التدخين سنويا يبلغ (5) مليارات ريال.!
أليس هذا كله هدرا لمواردنا الوطنية وسلامة أفراد مجتمعنا؟ وما يزيد على المليار ونصف المليار سنويا ننفقه على استيراد التبغ بأشكاله المختلفة (وهي ارقام تزداد سنويا).
فهل يعقل أن ندفع فاتورة منتج (نستورده بارادتنا) من رصيدنا الاقتصادي ثم نأتي ونخصص ميزانية من رصيدنا الاقتصادي أيضا لمكافحته؟
الخسائر التي تحدث في هذا الإطار قد يصعب حصرها فقط نتمنى من الجهات المسؤولة والمعنية أن تكفي اقتصادنا ومجتمعنا شر هذا الداء وأن تعمل بيد واحدة للحد من انتشاره إن لم يكن (التوقف كلياً) قد يكون هذا المقترح مثالياً وغير مقبول في العصر الحاضر.
فأنقلكم إلى معادلة أخرى: وهي أننا وبالحسابات التقديرية نتكبد خسائر تقدر (20) مليار ريال سنويا بسبب التبغ، في الوقت الذي نضع له ميزانية مكافحة لا تتعدى 1.3% من نسبة الخسائر وهي كالآتي:
(10) ملايين ريال مخصصة من وزارة المالية لبرنامج مكافحة التدخين التابع لوزارة الصحة.
(10) ملايين ريال (تقريباً) تمثل دعم الخيرين للجهات العاملة في مكافحة التدخين.
(5) ملايين (تقريباً) مبالغ مخصصة كدعم لهذه الجهات من وزارة الشؤون الاجتماعية.
أي أن جملة المبالغ المخصصة لبرامج مكافحة التدخين لم تتعدى الـ(25) مليون ريال سنويا. فهل يعقل أن تكون هذه المعادلة مقبولة؟
(25) مليون ريال لمحافحته مقابل20 مليار ريال خسائر بنسبة تقدر وكما أشرت 1.3% هذه المعادلة أيضا أتمنى من الاقتصاديين قراءتها وتحليلها وأتمنى أن أرى مرئياتهم حولها.
مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية (الأنموذج)
ضربت مؤسسة سليمان بن عبدالعزيز الراجحي الخيرية مثلا رائعا وأرسلت رسالة قوية للمؤسسات الخيرية، ومؤسسات القطاع الخاص في كيفية دعم المشروعات الخيرية والاجتماعية، فتبنيها لدعم مشروع حملة (الرياض بلا تدخين)، إنما هو تعبير صادق يحكي عن تفرد هذه المؤسسة ودعمها السخي لكل مشاريع الخير التي تهدف منها خدمة المجتمع والوطن.
والجمعية بدورها قد شمرت عن سواعدها واستنفرت هممها لتعمل على تنفيذ هذا المشروع ولترد عمليا على ثقة من دعموا هذا المشروع و(ستبيض الوجه) بإذن الله، وزادنا في ذلك هو توفيق الله ثم تكاتف المعنيين حتى يتحقق هذا الحلم.
وأختتم مقالي بالشكر مجدداً لهذه المؤسسة العملاقة وأتمنى أن تتعدد مثيلاتها لخدمة مشاريع الخير والديدن في ذلك هو حكومتنا الرشيدة التي تولى هذه المشاريع اهتماما خاصا حتى خارج حدود وطننا الغالي.
(*)أمين عام الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين