كان من الطبيعي أن يبحث الأمريكان عن مخرج لأزمتهم وتورُّطهم في العراق من خلال طرح أساليب واستراتيجيات جديدة للتعامل مع المأزق العراقي. ومن البدهي أن تجد هذه الاستراتيجية انتقادات وتعليقات من العديد من الأطراف الدولية المعنية بالشأن العراقي الذي يشكل استقراره وبقاء ديمومته السياسية ككتلة موحَّدة مطلباً ضرورياً لها؛ فالأهداف التي تسعى الاستراتيجية الأمريكية إلى تحقيقها المتمثلة في إنهاء دوامة العنف والقتل الطائفي لا يختلف اثنان على أنها تصبّ في صالح العراق وصالح جيرانه الإقليميين ككل، إلا أن هذه الأهداف والغايات الأمنية لا يمكن تحقيقها بمعزل عما يتطلبه الموقف الحالي من إصلاح سياسي واجتماعي يتساوى من حيث الأهمية مع الاهتمام بالنواحي الأمنية والعسكرية التي بدأت تطغى على عقليات صنَّاع القرار المنخرطين في الأزمة العراقية، سواء من الجانب الأمريكي أو من حلفائه ببغداد، وقد أثبتت الأيام الماضية الفشل الذريع الذي مُنيت به كل محاولات تكريس الحل العسكري في البلاد، فلم يجنِ منها العراقيون سوى مزيد من التمزق والتباعد وزيادة الهوة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد، وقد آن الأوان لتوجيه أدوات الحلّ صوب المزيد من الحوار السياسي البعيد عن مزايدات الأطماع المذهبية السياسية التي قسمت البلاد إلى كنتونات طائفية بدأت أكثرها سيطرةً على الشارع العراقي المخدَّر بالمذهبية تهمِّش الطوائف الأخرى وتستولي على مصيرها ومستقبلها الوطني؛ ما يحتم على عقلاء الداخل العراقي إعادة النظر في الكثير من أسس وركائز العملية السياسية العراقية التي أخذت يوماً بعد يوم تبتعد عن ثوابت المصالحة الوطنية وتقفز فوق بدهيات المجتمع السياسي الواحد والموحَّد الذي يشكل خلقه والحفاظ عليه صمام الأمان الوحيد أمام ما يهدِّد العراق من مخاطر التقسيم والتشرذم إلى دويلات طائفية ينهش بعضها بعضاً، وهذا ما يجب أن يضطلع به الجانب الأمريكي أيضاً بوصفه السلطة المحتلة التي تتحمل مسؤولية احتلالها للبلاد وتبعات هذا الاحتلال ونتائجه؛ فالاستراتيجية الأمريكية التي طرحها الرئيس بوش في العراق تحتاج بشكل كبير إلى إضفاء غطاء سياسي عليها يأتي من داخل العراق ويتمثل في زيادة جرعات المصالحة الوطنية بين الفرقاء العراقيين وضم أكبر قدر منهم إلى العملية السياسية الحالية، وضرب داعمي الميليشات وفرق الموت المسلحة وإدخال الطمأنينة إلى نفوس أولئك المهمشين والمضطهدين في الشأن السياسي العراقي.
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS
تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244