في الوقت الذي تنتهج فيه السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط أساليب التليين وتنقية الأجواء بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ لتحريك عملية السلام في المنطقة التي ترى فيها واشنطن مدخلاً للخروج من مستنقع الأزمة العراقية، سارعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى الإعلان عن استدراج عروض لبناء 44 مسكناً استيطانياً جديداً في مستوطنة معاليه أدوميم (أكبر مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة)، وكأن لسان حال إسرائيل يقول للأمريكان: (أنا ومن بعدي الطوفان. اذهبوا بعيداً عن أطماعي ومصالحي الاستراتيجية، ولا تبحثوا عن حل لمشاكلكم على حسابها)!
لقد أصبحت المواقف الإسرائيلية المعتمدة على ضغط اللوبي اليهودي في أمريكا من المضحكات المبكيات في عالم السياسة الدولية؛ فها هي الدكتورة كونداليزا رايس تقود حملة بلادها الدبلوماسية في العالم العربي؛ لحشد الدعم للحكومة العراقية، وبناء تحالفات إقليمية ودولية؛ لطرد النفوذ الإيراني من العراق، وهي تأتي خاطبة ودّ العرب؛ فتفاجئها إسرائيل باستقبالها بهذا المشروع الاستيطاني، وفرض سياسة الأمر الواقع التي دأبت تل أبيب على انتهاجها وتكريسها في وجه جميع الأطراف الدولية، وأولها أمريكا، وهذا ما سيضع الإدارة الأمريكية في وضع محرج. وإذا كانت الإدارة الأمريكية تريد فعلاً تحريك عملية السلام، وحل القضية الفلسطينية، فيجب عليها أولاً التخلي عن عقدة خصوصية التعامل مع إسرائيل، ومخافة النظر في أعين متصهيني الكونجرس الأمريكي، وضغوط أعضاء منظمة إيباك اليهودية التي أصبحت تهيمن على الكثير من معايير وثوابت السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط؛ مما أفقد حلفاء أمريكا في العالم العربي آفاق الأمل، وأحدث أزمة ثقة في رعايتها لعملية السلام، سواء كان ذلك على المستوى الرسمي الممثل في الأنظمة السياسية أو على المستوى الشعبي الممثل في الشارع العربي الذي بدأ يعبر عن امتعاضه من التطرف الأمريكي في الانحياز إلى إسرائيل، وهو ما يشعر به عقلاء الداخل الأمريكي من المحللين والسياسيين المحجوبة أصواتهم عن الإعلام؛ مما يفرض على الإدارة الأمريكية تحركاً لكبح جماح الإسرائيليين، والطلب منهم الأخذ بعين الاعتبار المصالح الأمريكية, وإلا فإن الإدارة الأمريكية ستكون في حل من أي التزام بالسكوت والصمت على الأفعال الإسرائيلية التي تدمّر السلام وتعوق الوصول إلى حل عادل.
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS