يبدو أن الإدارة الأمريكية التي يترأسها الجمهوريون والرئيس بوش قد قررت اتباع أسلوب الهروب إلى الأمام في التعامل مع الأزمة العراقية، وذلك من خلال الإصرار على عسكرة الوضع العراقي في محاولة لإيجاد حلول جذرية سوداء لن يكون لها من تبعات وآثار سوى جلب المزيد من المآسي والدمار على الشعب العراقي، واقتياد المزيد من أبنائه إلى مقصلة الموت, ففي الوقت الذي يئن فيه الشعب العراقي تحت وطأة حرب طائفية يتطلب إطفاء أتونها مزيداً من الحلول السياسية العراقية التي يجب أن تأتي بمعزل عن المحتل, ترشح إلى وسائل الإعلام العالمية ان الاستراتيجية الأمريكية التي يزمع الرئيس بوش إطلاقها حول العراق تقضي بإرسال عشرين ألف جندي أمريكي لتكريس الاحتلال وتدعيمه, وقد جاء ذلك تزامناً مع تصريح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وإعلانه عن قرب إطلاق ما أسماه بحملة أمنية جديدة في بغداد والجميع يعرف ماذا تعنيه الحملات الحكومية العراقية وما يأتي في ركابها من انتهاكات وتجاوزات طائفية تحت مرمى نظر حماة حقوق الانسان الأمريكان.
لقد أصبح واضحاً لجميع العالم وأولهم أصحاب الشأن العراقي أن عسكرة القضية العراقية واتباع أساليب الإرهاب العسكري والتخويف المشرعن سواء من قبل القوات الأمريكية المحتلة أو الحكومات العراقية المتتالية لم ولن يجدي نفعاً مع تفاقم الأزمة ودخولها في نفق اللاعودة التي زجت بها إليه تصرفات وقرارات ارتجالية ساعدت على أذكاء الروح الطائفية لدى الكثير من العراقيين الذين لم يجدوا أمهامهم من وسيلة أو طوق نجاة سواء الهروب إلى الطائفة والاحتماء بها من نير المستعبد المحتل وقهر الأخ الحاكم المتجبر. إن مايحتاج إليه العراقيون في هذه الأيام العجاف أكثر بكثير من تكثيف العسكر في شوارع بغداد وأزقتها وأكبر من وعود استعمارية بإيجاد وظائف لمواطنين باتوا على موعد يومي مع الموت الذي لن يحميهم منه سوى خلق مناخ سياسي وتصالحي جديد تصهر في بوتقته جميع الطوائف والاثنيات والمذاهب العراقية ويكون فيه من المتانة والصلابة مايكفي لحماية كل طائفة من تسلط الاخريات عليها واهتضام حقوقها وتهميش استحقاقاتها السياسية، ذلك فقط هو المخرج الوحيد الذي يجب على الادارة الأمريكية والحكومة العراقية أن تسعى له بل وأن تضحي من أجل الوصول إليه؛ فالتضحيات بالمواقف والمكاسب السياسية وإن كانت أمراً يصعب على بعض القادة والزعماء إلا أنه يسهل أمام أعين أبناء الوطن الشرفاء.
