Al Jazirah NewsPaper Monday  08/01/2007 G Issue 12520
الاقتصادية
الأثنين 19 ذو الحجة 1427   العدد  12520
مدير منظمة التجارة العالمية وصف كتابه بالحيوية والتحليل العميق
د. العلمي يختزل 12 عاماً من المفاوضات التجارية السعودية في 800 صفحة

* الرياض - هلال القرشي:

لا أحد أكثر جدارة من فواز العلمي بتأليف كتاب يتناول فيه مسيرة انضمام السعودية لمنظمة التجارة العالمية، كتابه مفعم بالحيوية ونابض بالأحداث، قائمٌ على التحليل العلمي الدقيق، لم يكن هذا دعاية لهذا الكتاب الضخم شكلاً ومضموناً، وإنما هو كلام (باسكال لامي) مدير عام منظمة التجارة العالمية. إنه كتاب يحيي مسيرة 10 سنوات تخللتها أكثر من 300 جولة مفاوضات تم فيها الإجابة على 3000 سؤال، وجعلت منظمة التجارة العالمية تصدر 42 نظاماً جديداً، إنه طريق طويل شقه العقل السعودي المستنير بالإيمان والإصرار الذي أكد بأنه يستطيع أن يخضع العالم لتجارة تتناسب مع قيمه ومبادئه التي لا تنازل عنها.

يتحدث كتاب (مفهوم العولمة بلغة مفهومة)، عن تجربة المملكة العربية السعودية في منظمة التجارة العالمية، الذي ألفه الدكتور فواز العلمي في 800 صفحة من إصدار دار المؤيد، وقد قسم المؤلف الكتاب إلى ثماني فصول مليئة بالمعلومات التي تهم كل فردٍ سعودي مهتم ببلده، إنه دليل التجارة العالمية بمنظار سعودي.

عندما تبحر في هذا الكتاب تجد في بدايته آية قرآنية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} سورة الحجرات (13)، إن بداية المؤلف بهذه الآية توحي للقارئ أنه انطلق من هذه الآية التي تمثل جزءاً لا يتجزأ من دستور المملكة العربية السعودية (القرآن الكريم)، ليعلم الجميع أن انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية كان ولا يزال يخضع لقيمنا ومبادئنا وأسسنا التي لا ننفك عنها نحن السعوديين.

بعد ذلك يلج بك العلمي إلى صفحة الإهداء، التي لو قدر لها أن تسع أسماء المجتمع السعودي كاملاً لكان قد فعل، لكنه لملم ما يستطيع أن يلملم من الأسماء اللامعة التي تستحق الشكر والتقدير، وكان على رأسهم ملك الإنسانية وقائد المسيرة الاقتصادية ورائد التنمية البشرية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهد الأمين سليل المجد وفي العهد سلطان الخير، وسرد بعده عدد من الشخصيات اللامعة في القيادة السعودية.

تاريخ المفاوضات

ويتناول المؤلف في مقدمة كتابه تاريخ المفاوضات التي امتدت عقداً من الزمن، منذ تقديم المملكة طلب انضمامها في الثالث عشر من مارس من عام 1995م، حتى الحادي عشر من نوفمبر 2005م في الساعة الحادية عشرة، حينها أسدل الستار على أطول جولات المفاوضات التي خاضتها المملكة، لكن المملكة وبعد هذا العقد من الزمن ربحت البيع وحققت ما تريد، لقد كان انضمام المملكة احتفالاً كبيراً لمنظمة التجارة العالمية، وفخراً للمنظمة لأن المملكة البلد الوحيد عالمياً الذي كان ينعم ولا يزال بحرية التجارة، كيف لا وهي الآن تتاجر بما يزيد عن ثلثي ناتجها المحلي الإجمالي، محتلة بذلك المركز الثاني عشر عالمياً في الصادرات، والثاني والعشرين في الواردات، ويضيف العلمي أن المملكة تفوقت بمساهماتها التنموية العالمية التي تعادل 4% من ناتجها المحلي الإجمالي بما يعادل 400% من مساهمات الدول الأخرى.

كما يسرد العلمي إنجازات المملكة الاقتصادية بأنها تتربع على عرش النفط العالمي، حيث لديها أكبر مخزون نفط عالمياً.

إنه بلد الإنجازات الاقتصادية، فسجل يا تاريخ هذا الانضمام، وافخري يا منظمة التجارة العالمية بنا نحن السعوديين، فالفخر معنا أينما حللنا.

عقدٌ من الزمن، وفخرٌ لهذا الوطن

وبعد أن أحسسنا بنشوة الانتصار، ها هو العملي يأخذنا في جولة على تيارات رياح العولمة العشر، التي كان أولها تيار الرؤية، وهذا التيار ينظر إلى العولمة كما يجب أن يفهمها العالم العربي، إن تيار الرؤية ينظر للعولمة من بعيد بعين فاحصة ليحقق منها ما يفيده، فعندما تجتمع في منظمة التجارة العالمية 148 دولة، تتمتع أسواقها بحرية التجارة عبر الحدود، وتستثمر أموالها وقدراتها بشجاعة دون قيود وتحاور في قضاياها وشفافية وإفصاح ووضوح، لا يلفت نظرك كعربي في هذا التجمع إلا غياب الدول العربية، وتفكك صفها وانخفاض مساهمتها في التجارة العالمية، إننا ينبغي أن يكون لدينا رؤية للعولمة تنتشلنا مما نحن فيه، أو مما كنّا فيه يوماً ما.

يرفع مؤلفنا رأسه ليلقي نظرة تأمل على قبة الأمم في مبنى منظمة التجارة العالمية التي تحتضن خارطة الكرة الأرضية بزخارف براقة، وأذنه صاغية لكلمة مدير منظمة التجارة العالمية، يخاطب وفود الدول الأعضاء، قائلاً: (أهلاً بكم تحت سقف قريتنا الكونية، وأدعوكم لمواصلة اجتماعاتنا في رحاب النظام العالمي الجديد...).

العولمة.. العولمة

أما حول العولمة فأقرب التعريفات أني مخطئ ولكن معرفو العولمة يتعاركون فيما أورده الدكتور فواز العلمي أن العولمة أداة تحليلية لوصف عمليات التغيير في مجالات مختلفة، إلا أنها ليست مفهوماً مجرداً، بل هي عملية مستمرة تلاحظ بمؤشرات كمية وكيفية سياسية واقتصادية وثقافية.

بعدها تهب علينا تيارات العولمة الأخرى، فالسيادية التزام شامل لنظام وحيد في قرية كونية محدودة، ويقول المؤلف في هذا التيار، العولمة تحتاج إلى نخب بشري مترابط العزيمة، عميق الثقافة، عظيم الكفاءة، حاضر الذهن والمعرفة.

ويتساءل بقوله: هل نرضى أن نكون غير ذلك ونحن من بدأت عقيدته ب(اقرأ)، وتوحدت شعوبه تحت راية (السلام)، وأثرت عقول أجداده علوم الطب والجبر والضوء والهندسة، وهل سنفقد سيادتنا إذا كانت هذه الاحتياجات أهم أهداف زعمائنا وشعوبنا.

وفي لفتة أدبية لوجود الدول العربية والإسلامية في منظمة التجارة العالمية، ذكر العلمي أن 149 دولة عربية وإسلامية في منظمة التجارة العالمية، منها 38 دولة إسلامية و12 دولة عربية، لم تفقد ذرة من عروبتها أو عقيدتها، إنه الإصرار الذي يأتي بالعزيمة.

الحروب التجارية

وللموز في كتاب العلمي مكانٌ لأنه جزء من ملفات منظمة التجارة العالمية فقد تناول الحروب التجارية، سواءً حروب الموز التي كانت قبل إنشاء منظمة التجارة العالمية وبعد إنشائها، وحروب الحديد والصلب بين الأمريكيين والاتحاد الأوروبي، وتناول أيضاً حرب الهرمونات التي كانت من أغرب الحروب وكان بطلها اللحم الأمريكي.

كما تناول العلمي تيار العدالة (تكافؤ الفرص بين الحقوق والواجبات)، وأبرز من ينادي بالعدالة المجتمعات المدنية، وهناك من تيارات رياح العولمة تيار الحصانة (دائرة مغلقة لمبادئ المثلث الأربعة)، ومبادئ المثلث الأربعة هي النفاذ للأسواق وحق الدولة الأولى بالرعاية ومبدأ التحرير التدريجي للتجارة، وأخيراً مبدأ المعاملة الوطنية، وللوطنية حضور في تيارات العولمة فالمواطنة هو التيار الخامس (شمس مشرقة في كواكب الدول الصغرى)، ويشير المؤلف هنا إلى سنغافورة، تلك الدولة صغيرة المساحة كبيرة المقدار، وصلت لمكانها بالمواطنة الصالحة، ولرياح العولمة تيارٌ سادس ألا وهو المعرفة التي تلخص بأنها ترويض الأفكار بسرعة الضوء، ليأتي بعدها تيار الهندرة الذي يقصد به إعادة هيكلة الاقتصاد، ويؤكد المؤلف في هذا التيار إلى احتياج الاقتصاد العربي الذي وصفه باقتصاد الأسهم والمساهمات العقارية إلى إعادة الهيكلة ليضيف قيمة حقيقة لاقتصادنا عالمياً، وللأقلمة في عولمتنا تيارٌ ناتجٌ عن التكتلات في عصر الحوكمة، وقد تكون الهيمنة تياراً من تيارات رياح العولمة وهذا ما أكده مؤلفنا حيث يقول: إن الهيمنة حقٌ مشروع لأصحاب المبادرة، وينهي العلمي جولته في تيارات رياح العولمة بالمنافسة التي أضحت واقعاً محتماً على الدول في القرية الكونية الصغيرة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد