لن أضيف جديداً إذا ما تحدثت عن مشروعات الخير التي تحرص على تنفيذها حكومة خادم الحرمين الشريفين في المشاعر المقدسة، وهو حرص لم يلحقه فتور منذ عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - حتى يومنا الحالي.
مشروعات المدينتين المقدستين، مكة والمدينة، كان لها الأولوية على ما سواها من مشروعات، بل لا أبالغ إذا ما قلت أن ميزانياتها الخاصة لم تتأثر يوماً بانخفاض مداخيل الدولة في بعض سنوات التقشف.
حرصت القيادة السعودية على تقديم مشروعات الحرمين الشريفين على ما سواها، بغض النظر عن الميزانيات المتاحة، فالأولوية كانت ولا تزال مقدمة لخدمة دين الله، ولحجاج بيته الطاهر الأمين. ولكن لِمَ لا نبحث قليلاً في العائد المتوقع للميزانيات الضخمة التي توجه لتطوير الأماكن المقدسة.
يحرص الاقتصاديون كثيراً على تحديد حجم العائد على الاستثمار، ومن ثم الاعتماد عليه كمؤشر دقيق لتحديد القرارات الاستثمارية الناجعة.
إلا أنهم يقفون حائرين أمام تحديد العائد على الاستثمار في المشروعات ذات العلاقة بالمشاعر في المدينتين المقدستين، خصوصاً إذا ما رُبِطَ بين التكلفة وزمن الاشغال الذي لا يتجاوز في أقصى حدوده خمسة أيام من كل عام.
هو دون أدنى شك استثمار لا علاقة له البتة بتحقيق الأرباح، والمصالح الدنيوية، بل هو أعم وأشمل؛ وأعظم بركة، وأكثر ربحاً في الدنيا والآخرة.
فهو استثمار في المثوبة والأجر، والبذل والعطاء لخدمة دين الله، وتهيئة المشاعر المقدسة لاستقبال وفود الرحمن على خير ما يحب.
هو عمل لا ينقطع خيره، ولا يتوقف عطاءه، ولا يُنزع ريعه من يد صاحبه بقضاء أجله، وهو غرس طيب في أرض طيبة، لا ينقطع ثمره، يتظلل به الحجاج والمعتمرون ويرفعون إلى الله الدعوات تلو الدعوات لكل من أسهم في خدمة الإسلام والمسلمين، وإرساء قواعد تلك المشروعات التي هونت على المسلمين والمسلمات كُرب الحج، وضيق المساحة، وأسهمت، بإذن الله وقوته، في حفظ أرواح المسلمين من خطوب التدافع والدهس والسقوط.
من مشروعات الخير والبركة، أو ما يمكن أن ندرجه ضمن الاستثمارات الباقية في الدنيا والآخرة، بإذنه تعالى، مشروع جسر الجمرات الذي حُددت ميزانيته ب4.2 مليار ريال سعودي، وهو المشروع الذي افتتح مرحلته الأولى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قبيل اليوم الأول لرمي جمرات هذا العام.
مشروع ضخم بكل المعايير، روعي في تنفيذه الضوابط الشرعية التي تعتبر القاعده الأساسية التي تنطلق منها جميع التحسينات ذات العلاقة بالنسك، إضافة إلى توقعات الزيادة المستمرة في عدد الحجاج، وتوزيع الكتلة البشرية.
بفضل الله وبركته، أمكن لمشروع رمي الجمرات، في مرحلته الأولى، تفادي وقوع الضحايا والكوارث البشرية بين الحجاج، وساعد في إنجاح موسم حج هذا العام، وجَعله أحد أفضل مواسم الحج المشهودة خلال عقود من الزمان، ترى كم هو العائد من الأجر والمثوبة على مثل هذا الاستثمار الذي سهل على المسلمين حجهم، وساعد في تجنيبهم كوارث الموت والهلاك.
كان للمشروعات التطويرية في المشاعر المقدسة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، ومن ضمنها مشروع جسر الجمرات، أكبر الأثر، بعد الله سبحانه وتعالى، في إنجاح موسم حج هذا العام، وهو ما أكده رئيس الاستخبارات العامة نائب أمير منطقة مكة المكرمة الأمير مقرن بن عبدالعزيز من خلال إشادته بالمشروعات التطويرية في المشاعر المقدسة التي (ساهمت مساهمة فعالة في إنجاح موسم حج هذا العام، وخاصة مشروع جسر الجمرات الجديد والتصميم الذي نفذ به باشتماله على العديد من المداخل والمخارج ما ساعد في انسيابية تحرك الحجاج دون احتكاك أو ازدحام).
مشروعات الخير والبركة لا يمكن لها أن تتوقف عند حد معين، ولعلنا نشير في هذه العجالة إلى بعض الدراسات المستقبلية لمشاريع الخير التي أشار لها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران، من خلال إجابته على أسئلة الصحفيين أثناء الحفل التكريمي الذي أقامه سموه في المنطقه الشرقية، ومنها توسعة المسعى التي قال عنها (إن هناك دراسة مهتم بها ولي أمر المسلمين خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسعى وإن شاء الله يتحقق ذلك)، ودراسات أخرى تتعلق بنقل الحجيج في المشاعر، وإنشاء العمائر في منى التي تمت تجربتها على نطاق ضيق في هذا العام.
الحديث عن المشروعات التطويرية واسهامها في إنجاح موسم حج هذا العام يجب أن لا ينسينا الإشادة بالجهود المميزة التي قامت بها جميع القطاعات العسكرية والمدنية المشاركة، والتي عملت بكل طاقاتها المتاحة على مدار الساعة بمتابعة دقيقة من خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو وزير الداخلية.
أختم بحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي جاء فيه (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، ترى أي خير يحتسبه ولاة أمر هذه البلاد الطاهرة من الصدقات المباركة التي يغرسونها في أطهر البقاع وأحبها إلى الله؟ إنه العائد الكبير الذي لا يقارن بأموال الدنيا ونعيمها.
نسأل الله القبول والإجابة، والخير والبركة، والرحمة والمغفرة لقادة هذه البلاد الطيبة على كل ما قدموه، ويقدمونه من أعمال جليلة ومشروعات خيّرة لخدمة الإسلام والمسلمين.
f.albuainain@hotmail.com