إسرائيل كعادتها تمارس الإرهاب في الوقت الذي تدعي فيه أنها تريد استئناف مفاوضات السلام. فيدها اليمنى تصافح ويدها اليسرى تقتل. وهذا ما جرى غداة لقاء الرئيس المصري حسني مبارك برئيس الدولة العبرية يوم الخميس الماضي.
ففي حين أنه كان من الضروري أن تسبق اللقاء أجواء تهدئة لإنجاحه، والخروج منه بشيء يحرك عملية السلام المتعثرة، قامت إسرائيل عوضاً عن ذلك باقتحام رام الله في الضفة الغربية باستخدام عشرات الآليات العسكرية والمدرعات والجرافات المدعومة بالمروحيات وقتلت أربعة فلسطينيين وأصابت ما لا يقل عن عشرين آخرين بجروح بعضها خطير، ثم خطفت أربعة أشخاص، بطريقة تنم عن سياسة الغطرسة.
وهذه السياسة العقيمة هي لإرهاب الطرف الآخر وإجباره على تقديم تنازلات مجانية تحت الضغط. وتصر إسرائيل على استخدام هذه السياسة مع أنها أثبتت فشلها في استرداد جنودها المأسورين في كل من لبنان وفلسطين، وكشفت بذلك عن ضعفها، فأزيلت عن جيشها تلك الهيبة التي صورتها وسائل الإعلام ولعشرات السنين. ويظن قادة إسرائيل الإرهابيون أنهم بدخولهم على المدنيين العزل وترويعهم بالمدرعات العسكرية سيحققون مكاسب سياسية، وفي الحقيقة أنهم بذلك يزيدون الإصرار الفلسطيني على المقاومة، والتشبث أكثر فأكثر بالحقوق المشروعة.
وفي المقابل، فإنه وأمام هذه الغطرسة الإسرائيلية ينبغي للإخوة الفلسطينيين أن يحقنوا دماء بعضهم بعضاً وألا ينساقوا خلف الشعارات الحزبية، فالاقتتال الداخلي يزيدهم ضعفاً، ويعطي فرصة مواتية للعدو الإسرائيلي في أن يعيث بينهم قتلاً وخطفاً. فطالما أن الفلسطيني بات رخيصاً إلى درجة أنه يُقتل على يد أخيه ولأتفه الأسباب، فإنه لا ضير على الإسرائيلي أن يشبع نهمه بإراقة دماء أصحاب الأرض الحقيقيين، وبحجج واهية كالدفاع عن النفس وحماية الأمن القومي.
وهذه الحجج لم يتردد أولمرت في تكرارها أثناء عقده للمؤتمر الصحفي مع الرئيس مبارك، فبعد أن مجد سلفه الإرهابي أرييل شارون، قال إن اقتحام رام الله كان لحماية إسرائيل ممن وصفهم ظلماً وبهتاناً بالإرهابيين، دون أن يراعي لقاء القمة مع مضيفه المصري ويحترم دعوات السلام التي أطلقها الرئيس مبارك.
إذن إسرائيل لا تريد سلاماً حقيقياً، ويمكن هنا تذكر القصف الإسرائيلي الذي طال الفلسطينيين بعد خروج القادة العرب من مؤتمر القمة ببيروت بالتأكيد على مبادرة الملك عبدالله للسلام. وبدلاً من مد يدها بشكل إيجابي نحو تلك المبادرة بطشت بالفلسطينيين.