| |
منافسة .. فصراع .. فعنف .. فقتال د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم
|
|
العراقيون يقتتلون، والفلسطينيون يقتتلون، واللبنانيون يسخنون في الدوائر والملتقيات كأنّهم يشحذون الهمم للدخول في معمعة صراع سياسي طائفي جديدة لن تبقي ولن تذر .. العنف بات واقعاً مفروضاً ومألوفاً، ومناظر الدم والدماء والجثث المضرجة بهما باتت أمراً عادياً لا تغض عنه الأبصار ولا تطرف له أو تذرف عليه دموع عيون محتقنة، بل ولا تأسف على وقوعه عقول وضمائر إنسانية حيّة. نعم لم يَعُد للإنسان حرمة ولا للمجتمعات الإنسانية حقوق، فسقوط القتلى والضحايا من المدنيين الأبرياء واقع حرضت عليه السياسة واغتصبته نيران الأسلحة الفتّاكة. حدث هذا بعد أن ضاق السياسي بالعقدي، وبعد أن ضاق العقدي بالسياسي فتلقّفتهما أمواج النيران، فتسابقت العساكر وتناحرت فحجرت الضوائق على الجميع، وضربت النوائب للجميع. إنّ للتصعيد المتبادل مهاماً انتحارية، وهذا ما وقعت عليه الوقائع وتآلف عليه من ائتلف من أهل الفتنة والضلال في هذا الواقع العربي أو ذاك. نعم .. نعم لم نَعُد نرى أو نسمع إلاّ عن وقوع ضحايا في هذا القتال أو ذاك، في هذه العملية أو تلك، وفي هذا الصراع أو ذاك، من العراق وإلى فلسطين مروراً بلبنان، ومن اليمن إلى العراق إلى فلسطين مروراً بلبنان أيضاً .. بل ومروراً بما قد تفرضه جيوش الفساد والشر والعنف والدمار في هذا العصر العربي أو ذاك. إنّ كلَّ من حاول أو يحاول ارتقاء سلّم المجد من هؤلاء أو أولئك على صدور الموتى وعلى جماجم الشهداء لن يلعنه التاريخ فحسب، وإنّما سيؤطر في عقول الشعوب ووعيها من كونه عدوّاً للسلام وللإنسانية محباً للحروب والدمار والدماء. الجميع في فلسطين والعراق ولبنان هربوا من دبلوماسية السِّلم وتعلّقوا بدبلوماسية الصراع والاقتتال .. الجميع أطلقوا العنان لمشاعر المواجهة والاحتقان، فوقعوا في مصائد زلاّت اللسان التي أوقعتهم في شباك الصراع وصولاً إلى ويلات الاقتتال .. الجميع افتقدوا القدرة على ممارسة ضبط النفس فتعلّقوا بنسخ معدّلة من وعي الغير في محاولات مستميتة لاستنساخ الذات حتى وإن كانت نكرة أو مكررة أو اجتراراً لماضٍ انتهى ومضى. الجميع أثبتوا بجدارة أنّهم هواة في بحور السياسة يفتقدون لأبجدياتها الأساسية للتفاهم والتعارف والتقارب والتآلف، فالدبلوماسي المحترف بات عملة نادرة في هذا العصر العربي المنزلق في أتون العنف المتردِّي في غياهب الصراع العقيم. الجميع أثبتوا فشلهم السياسي مما يعني فشل مشاريعهم السياسية لأنّها إمّا كانت مستوردة أو عميلة أو مثالية تعيش في بروج من الخيال الجامح. الجميع أبدعوا في الحوار لكنهم فشلوا في فنون المقايضة وممارسة القدرة على الأخذ والعطاء والتنازل المتبادل من أجل التعايش المتبادل. من جانب آخر مرتبط بالجانب الذي سبقه، كيف لا والسياق هو السياق خصوصاً إن كان عامل الجغرافيا هو العامل المستقل، يمكن القول إنّ للسياسة مهمات قد لا تنسجم إطلاقاً مع الأخلاق، بيْد أنّ للأخلاق مهمات ومبادئ وقيماً تنسجم مع جميع من يعتنقها أولاً قبل أن يعتنق السياسة .. وهذه هي معضلة البعض من الجميع لكونهم مارسوا السياسة بلا أخلاق فوقعوا في مأزق السياسة اللا أخلاقية التي فرضت عليهم راديكالية فكرية وجدت أرضاً خصبة في نفوس بعض ممن لديهم راديكالية بالغريزة. وهذا ما يمكن أن يكون عليه الواقع الأليم فيما قد يحدث في دولة مهمة في البانوراما العربية والخليجية لا جدال من أنّها تمثِّل عمقاً استراتيجياً للمملكة .. إنّها دولة اليمن. في شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين أغارت السُّلطات اليمنية على ملاجئ للقاعدة في اليمن فقبضت على مَنْ قبضت، وقتلت مَنْ قتلت منهم وفي مقدمتهم (يحيى الربيعي) الذي يقال بأنّه كان ممن خططوا لأحداث 11 سبتمبر، وكان أحد الثلاثة عشرة مسجوناً من أفراد القاعدة الذين فرّوا من سجن الأمن السياسي في شهر فبراير الماضي، وهو الحادث الذي سبّب حرجاً كبيراً للحكومة اليمنية. نسوق هذا السياق في المجال اليمني خوفاً من أن يلحق مرض الصراع الداخلي لدولة اليمن الشقيقة التي تعيش على بركان عنف ثائر بعد أن ضربت جراثيم التطرُّف والإرهاب عقول البعض من انخدعوا بضلال الفئة الباغية. ولهذا فإنّ التسامح مع من ضلّ عن طريق الحق والصواب وخرج على الجماعة بات أمراً مرفوضاً، بعد أن أصبحت الدول والمجتمعات العربية الإسلامية هدفاً لقوى البغي والعدوان. مهما يكن من أمر، فإنّ من الواجب أن تستوعب الدروس أكثر وأكثر، خاصة فيما ينبغي فعله أو قوله، حتى يمكن تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية للجميع من خلال تفعيل دبلوماسية تصالحية مصالحية مرنة، تحرص على تحقيق مصالح الجميع وتسمح بتحاور وحوار الجميع وإبداء ما يرونه من مرئيات ومصالح واحتياجات، حتى يتم دفن كل منطق أيديلوجي يستمد مفرداته من قاموس العنف والصراع والدمار والقتل والاقتتال، ولكي يمكن القفز على كلِّ واقع معقّد، والبعد عن سطحية سياسية أو عقدية تختزل الواقع إلى ثنائيات عقيمة.
|
|
|
| |
|