| |
يارا تأكدوا من أضحياتكم! عبدالله بن بخيت
|
|
يتقدم الكاتب بمؤلفه إلى وزارة الثقافة والإعلام وبعد الاطلاع والمعاينة والضغط على المتن والتقليب يكتب أحد الموظفين (المراقبين) تقريراً بعدم صلاحيته للنشر. هكذا تحفظ القضية. الرقابة مجموعة هائلة من الأحاسيس. لا أستطيع أن أعرِّفها بأي شيء غير ذلك. حس ديني حس سياسي حس اجتماعي حس قبلي حس إعلامي حس دولي حس فيزيائي حس ذكوري حس طفولي حس سياحي إلى آخر الأحاسيس التي يطالها روح الإنسان. أي من هذه الأحاسيس يُخدش سيكون الكتاب هو الضحية. حساسية هذه الأحاسيس لديك تختلف عن حساسية هذه الأحاسيس لدى أخيك وحساسية هذه الأحاسيس عند أخيك تختلف عن حساسية هذه الأحاسيس عند جارك وحساسية هذه الأحاسيس عند جارك الثاني تختلف عن حساسية هذه الأحاسيس عند سابع جار. هكذا تختلف الأحاسيس من شخص إلى آخر إلى آخر الدنيا. حذَّرتُ قبل سنوات من فكرة إنشاء وزارة ثقافة. وزارات الثقافة في كل الدول التي أنشئت فيها كانت جهاز رقابة وقولبة وتوجيه منظم للثقافة لتسير على خط فكري محدد حتى وزارة الثقافة في دولة كفرنسا هي جهاز استعماري موجه للشعوب المستهدفة. ولكن سيطرة الفكر الاشتراكي بوعي أو بدون وعي دفع كثيراً من المثقفين والكتاب والصحفيين السعوديين إلى ضجيج المطالبة بإنشاء وزارة ثقافة.. استمرت الضجة حتى جاء ذلك اليوم الذي أصبح لدينا نصف وزارة ثقافة. لا أعرف في الحقيقة ما الذي يحدث في القلعة الحصينة التي أنتجت مسلسل أبو شلاخ ولكني أعرف كثيراً من المعلومات عن المبنى الواقع في الجهة الجنوبية من القلعة. بدأت معرفتي بذلك المبنى منذ أكثر من ربع قرن. كنا شباباً نجلس في قهوة بخشة في منتصف شارع الخزان. كنا نشاهد شاباً أسمر لنقل في أواخر العشرينيات من عمره يجلس وحيداً على المركاز غاطساً بين مجموعة كبيرة من الكتب والجرائد والمجلات. يقرأ قليلاً في كتاب ثم يلقي به ويأخذ جريدة ويقلبها ثم يضعها ويعود إلى الكتاب ثم يأخذ المجلة وهكذا جولات سريعة على مصادر الثقافة كلها.. لم نكن نعرف السر. بعد مراقبة دقيقة لسلوكه وضعنا مقاييس نقيس بها درجة الاستيعاب والصعوبة فإذا شفط شفطة قوية من لي الشيشة فهذا يعني أن الموضوع معقد، وإذا كانت الشفطة خفيفة وأنيقة فهذا يعني أن الرجل استوعب، وإذا نادى على القهوجي وطلب جمراً إضافياً فهذا يعني أنه سوف ينتقل من موضوع إلى موضوع آخر، أما إذا طلب من القهوجي براد أبو أربعة جديد فالرجل يريد أن يعيد تصفية المزاج من أول وجديد. ليبدأ جولة جديدة من القراءة. وبعد عدة أيام من المداومة والسؤال والتقصي والتقرب إليه تبين لنا أن الرجل لا علاقة له بالثقافة وإنما هو مراقب مطبوعات في وزارة الإعلام يضطر أمام ضغط الشغل أن يأخذ معه العمل إلى القهوة. وحسب تعبيره أحكر الشيشة وأزبط البراد أبو أربعة وأفلفل الورق ورقة ورقة. أنقشه نقشاً. هكذا إذاً صُنعت الثقافة وتسربت إلى ملايين العقول في المملكة العربية السعودية عبر أدخنة جراك باعشن وقرقعة براد أبو أربعة. لا أعرف ما الذي حدث اليوم للرقابة هل بقيت على الشيشة وبراد أبو أربعة أم أضيف إليها المعسل بعد أن أضيف إلى وزارة الإعلام كلمة الثقافة في مسماها؟ على كل حال لم يتغير شيء من ناحية الإنجاز. قام أحد الزملاء بجمع عدد من مقالاته التي نُشرت حديثاً في الصحف (السعودية) وتقدم بها للوزارة دون أي تعديل وبعد الاطلاع والمعاينة وتفغيص الظهر والتقليب (جذع وإلا ثني) أصدر المراقب قراره برفض نشر الكتاب. تأكدوا من أضحياتكم. وكل عام وأنتم بخير.
yara4u2@hotmail.com |
|
|
| |
|