أدهشني كثرة ما أصبحنا نشاهده ونقرؤه من بعض الكتّاب وبعض أشباح الإنترنت عن اقتراب موعد ضرب إيران من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية، بل وتجاوز البعض ذلك إلى كتابة سيناريوهات وتفاصيل الضربة، وكيف ستكون ومدّتها، ولربما دعموا ذلك بأرقام القتلى والمصابين من الطرفين...!
للأسف سياسة القطيع المتعارف عليها بلغه أسواق المال، أصبحت تطاردنا حتى بالسياسة والمجالات الدولية, فمجرّد أن يخرج علينا أحدهم بأحد المواضيع التي تؤكد ضرب إيران، وما سيؤول إليه ذلك من (خراب مالطة) لدول الخليج حتى يفاجؤنا للأسف البقية بسرد مسلسلات وقصص وهمية عن دلائل ملموسة، ومستندات سرية، ثم يتبعها صراخ وعويل المتلقِّين ومن ثم المزيد من تلك الوجبات السريعة .. وجميعها تصب في التأكيد على ضرب وتمزيق جمهورية إيران، ناسين أو متناسين أنّ إيران هي حليف قوي لأمريكا في العراق, إن لم تكن أكبر حلفائها هناك .. فقد تتقاطع المصالح وهذه هي لغة الأعراف الدولية، فعدّوك الآن قد يكون صديقك الآن، ولكن في أمر آخر، وموضوع مغاير.
إيران حليفة أمريكا بالعراق وخصمها في ذات الوقت بخصوص قضية الأسلحة النووية، التي كانت إيران تسعى لامتلاكها منذ سنوات ولم تكن حدّة الرد الأمريكي كما هي عليه الآن, ولنعد إلى الذاكرة قليلاً لثلاث سنوات إلى الوراء لنجد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية قد ضربت العراق وغزته رغم أنه ينفي في أغلب الأحوال تملُّكه لأي أسلحة نووية، أو محاولته حتى للحصول على برامجها والمواد المصنّعة لها، وفي ذات الوقت يصرح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في كل الأوقات وبكلِّ فخر وتحدٍّ عن استمرار إكمال بلاده لبرامجها النووية شاء من شاء وأبى من أبى، دون أن يجد من يتذمّر أو يعلِّق على ردوده بالبيت الأبيض إلاّ فيما ندر..! بل ويتهجّم في كلِّ مناسبة أو احتفال على الرئيس الأمريكي، ويكيل له الشتائم وأبشع السباب وعلى طريقه الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز أو القائد الكوبي فيدل كاسترو أو مؤخراً الرئيس الكوري الشمالي كيم جونق ... ورغم هذا وذاك وحتى الآن، لم تمتد الآلة الأمريكية بالخراب لشبر من الأراضي الإيرانية أو الكوبية أو الفنزويلية أو حتى الكورية، رغم إعلان الأخيرة عن تملُّكها للتكنولوجيا النووية، بل وتجربة إحدى قنابلها بكلِّ جرأة في قلب المياه..!
قد يكون من الخلط أو عدم عدالة المقارنة ما بين أوضاع إيران وكوريا من حيث طبيعة الرد الأمريكي على كليهما من حيث تملُّك السلاح النووي، فمن حيث تتخذ من مبدأ الحوار والمرونة مع كوريا منهجاً لها، تنتهج العدوانية وفرد العضلات مع إيران والتي فهمت الأخيرة اللعبة كلياً وأصبحت تديرها كما المحترفين بالضبط.
ملخّص ما أردت الوصول إليه أنّ أمريكا هي أبعد ما يكون عن ضرب إيران لكونها تعلم أنّ العقليات النووية موجودة بعلماء إيران, والمستندات والوثائق محفوظة في عقول وأدراج قادتها، والبترول والمال متوفّر وبزخم في جيوب خزائنها، والقدرة على شراء والحصول على رؤوس نووية صينية أو روسية مستقبلاً متوفّرة بل وقد تؤمّن لطهران ما هو أكثر فاعليه وقوة من طاقاتها الحالية ... إذن ما الجدوى من ضرب إيران, أو حتى مناوشتها ببعض الصواريخ الموجّهة عن بُعد، مما قد يفتح أبواب الجحيم على مصراعيها في منطقه تعلم واشنطن جيداً أنّ من مصلحتها أن لا تتعرّض لأي هزات أو حروب طاحنة قد تهدد الأمن الاقتصادي والقومي الأمريكي برمته أن لم ينهار عند ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات فلكية مع خسارة ملايين البراميل من النفط التي تحتاجها مكائن الدولة الأمريكية والدول الأوروبية يومياً..!!!
أعظم ما أراه من المخاطر الحالية ليست التهديد من ضرب إيران وإنما تزايد التواجد الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط وخاصة بعد تصريحات وزير الدفاع الأمريكي الجديد روبرت جيتس الأسبوع الماضي والتي أعلن فيها هذا الأمر فعلاً، بل وأضاف أنّ القوات الأمريكية لم تأت إلاّ لتبقى فترات طويلة في المنطقة، وكذلك تأكيد بعض المسؤولين الأمريكيين وصول واصطفاف بعض السفن والبوارج الحربية بمياه منطقة الخليج...!
أعتقد يجب الحذر ليس من ردة فعل إيران من الضربة، بقدر ما هو من تلك البوارج والإمدادات العسكرية الأمريكية، لكونها لا تأتي إلاّ بكارثة كما هي حرب العراق، ولكن هذه المرة أرى ومن وجهة نظري الخاصة أنّ إيران قد لا تكون المستهدفة من وصول تلك القوات والبوارج، ولنا عبرة كدول خليجية في أن نتذكر أنّ صديق اليوم قد يكون هو عدوّ الغد، كما فعل صدام بدول الخليج والعرب، وكما فعلت أمريكا بصدام لاحقاً..
ويقال..