| |
نوافذ سياسة الغريق والقشة أميمة الخميس
|
|
منذ بدايات تكون فصائل المقاومة الفلسطينية (بشقها السياسي) وهي توظف سياسة الانضواء الكامل تحت كيان سياسي أو أيدلوجي أقوى وأكثر سطوة، محاولة منها أن تصنع من شعارات ذلك الكيان ومساره الأيدلوجي مركباً يقودها باتجاه الأرض السليبة. ومن خلال تلك السياسة أثناء وجود تلك الفصائل في لبنان انغرزت في وحل المذهبية والطائفية بشكل كلي، أفقدها الكثير من مصداقيتها ونبل قضيتها، بل صنع لها أعداء أزليين في لبنان والعالم بأسره، لكونها لم تلتزم الحياد الذي يكون من الضيف أو اللاجئ صاحب القضية العادلة، بل كانت تمخر شوارع بيروت في استعراضات عسكرية مستفزة وسافرة. أثناء حرب الخليج ونتيجة لحال الشتات الذي كانت تعانيه منظمة التحرير بعد خروجها من لبنان، علقت حالة الغرق التي كانت تعانيها بين المنافي بعد خروجها بقشة صدام حسين أثناء غزوه للكويت، وقطعت بشكل تنقصه الفطنة جميع علاقاتها التاريخية مع دول الخليج، التي كانت الدول الوحيدة على المستوى العربي التي أوفت بالتزاماتها المادية على الأقل اتجاهها، في مؤتمر أوسلو وبعد أن لوح لها الحل الدولي بأرض الميعاد وجزء من فلسطين، انفصلت منظمة التحرير عن المسار العربي في المفاوضات، واختارت أن تنضوي وحيدة بشكل كامل تحت الحل الأمريكي، أو القشة الأمريكية، إلى درجة أن (محمود عباس) قبل وبعد توليه السلطة كان يصرح دوماً بأن خيوط اللعبة جميعها في يد الولايات المتحدة، وأن الحل سيأتي من هناك فقط، ذلك الاستسلام الكامل للقشة الأمريكية أغرق الحكومة الفلسطينية في بحور الديمقراطية والانتخابات الفلسطينية، التي حوصرت بها منظمة التحرير بقضايا الفساد والرشاوى وما هنالك من أمور اختطفت منهم السلطة. ومع تغيّر رموز السلطة في فلسطين ومع تحول مسارها الأيدولوجي مسافة (180) درجة، إلى أن شيء واحد لم يتخل عنه الفلسطينيون في هذا المجال، ألا وهو سياسة القشة والغريق، فها هي حماس تنضوي بشكل كامل تحت النظام الثوري في إيران وتستجيب لجميع طروحاته الثورية المفخخة، إلى درجة أن النظام في طهران بات هو الذي يدفع رواتب الموظفين والجنود. ومن هنا تقطع حماس جميع الجسور التي بينها وبين الدول المعتدلة في محيطها، أيضاً بينها وبين العالم، وتضع شعبها في مواجهة يومية شرسة مع الفقر والجوع وذل الحاجة. على الرغم من التاريخ العريق للفلسطينيين في دهاليز السياسة، وعلى الرغم من عقود المنافي والعذاب والفقد والدمار، لم تتطور لديهم على المستوى السياسي الآلية التي يقاربون بها قضاياهم القومية والمصيرية، فهم دوماً سرعان ما يخرجون بها عن كونها قضية عادلة لشعب وأمة، ليحولونها إلى قضية إقليمية توظف للمزايدات السياسية بين دول المنطقة، كل على حسب خطته ونهجه. وما زالت سياسة القشة والغريق راسخة ومتنفذة لديهم على الرغم من عاطفيتها وانفعاليتها وعشوائيتها، وغياب التخطيط الإستراتيجي بعيد المدى فيها. لا أدري متى سيخرج الفلسطينيون من طفولة وبراءة السياسة الانفعالية، ليدخلوا إلى دهاليز فن الممكن والمكر والدهاء وتغليب العقل، والخضوع لإستراتيجيات الممكن وملامح دولة حقيقية موجودة على أرض الواقع وليست مجموعة من الأمنيات.
|
|
|
| |
|