في عالمنا الشرقي يردد المحاورون دائما (التأصيل العلمي ومنهجية البحث) ليلبسوا على القراء ويختطفوا الحقيقة من رحمها بهذه السفسطة والتفيهق، وربما كانوا أبعد ما يكون عن هذا المبدأ كان الأولى بأخي الأستاذ عبدالعزيز بن محمد آل عبدالله الذي نشر رداً يوم الثلاثاء 14 ذي القعدة 1427هـ (العدد 12486) على ملحوظاتي حول مقالة الدكتور عبدالرحمن الفريح أن يدرك قبل غضبته المضرية الأغاليط التي ذكرها الكاتب حول قضايا تتعلق بتاريخ العرب ثم جاء الأستاذ عبدالعزيز عارضاً رمحه ونسي أن بني عمه فيهم رماح ليدافع عن تلك الأغاليط بعصبية دونما منهجية وتأصيل وكأني به ممن لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهاناً، وهذه ملحوظاتي:
1- قوله: (وأما قول الفريح نقلاً عن معاصر حديث، كما في كتاب نجد لمحمود شاكر)، (وأوضح البلاذري تصدي الرباب من تميم لهذه الحملة، كما أورد الطبري محاربة بني الهجيم لها)، وفي معالجة علمية ذكر فضيلة الشيخ عبدالعزيز أن أتباعها كانوا من النمر وتغلب وإياد، وأن تميماً قد حاربت هذه الحملة، يقول ابن ثاني: هذا القول مردود بقول البلاذري نفسه في فتوح البلدان، إذ يقول: (وتنبأت أم صادر سجاح بنت أوس بن حق بن أسامة بن العنبر بن يربوع بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم، ويقال هي: سجاح بنت الحارث بن عقفان بن سويد بن خالد بن أسامة، وتكهنت فاتبعها قوم من بني تميم، وقوم من أخوالها من بني تغلب) أ.هـ. (فأقول: إن جميع ما ذكره د. الفريح في العبارة التي ردها الكاتب بناء على قول البلاذري - كما يزعم - موجود في المصادر التاريخية، ومنها البلاذري، فمن الذي يثبت هذا أو ينفي ذاك، على أن كلمة البلاذري التي أوردها لا تحمل في ثناياها أي رد على الكلام السابق، فالبلاذري يذكر أن سجاح تبعها قوم من بن تميم، وليس في هذا أي تعارض مع ما ذكره د. الفريح نقلاً عن المصادر التاريخية من أن الرباب والهجيم تصدوا لحملتها، وأن أتباعها كانوا من النمر وتغلب وإياد). انتهى كلامه.
وأقول: فات على أستاذ البحث العلمي وجه الاستدلال وهو أن الفريح ذكر هذا في نفيه تميمية سجاح قائلاً: (لم يقف دعم الفرس للردّة عند هذا الحد بل هم جندوا حملة من أرضهم آنذاك ومن دار تغلب في الجزيرة الفراتية تحديداً مع امرأة، ونقل الحافظ ابن كثير قول الشاعر: (أتتنا أخت تغلب) وهي سجاح التغلبية، كما عند ابن كثير، وكما في كتاب نجد لمحمود شاكر وأوضح البلاذري تصدي الرباب من تميم لهذه الحملة كما أورد الطبري محاربة بني الهجيم لها، وفي معالجة علمية ذكر فضيلة الشيخ عبدالعزيز أن أتباعها كانوا من النمر، وتغلب وإياد)، وأن تميماً قد حاربت هذه الحملة واستدل على أن بني تميم تصدوا لحملتها بنص البلاذري دون إشارة إلى أن بعض بني تميم قد ارتد معها ونقلت نص البلاذري الذي يثبت أن سجاحا تميمية وليست تغلبية. فأين المنهجية في البحث العلمي حينما نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض. وكل ذلك يعد خروجاً من عقدة عار الإيمان بنبوة امرأة نكحها نبي ربيعة الكذاب.
2- قوله: (فذكر أن بعض المصادر نصت على ردة الزبرقان، وفي نظري أن من ثبت إسلامه وصحبته أيضاً، فالأصل بقاؤه على الإسلام وعدم إخراجه منه إلا بدليل قوي ومستند واضح)، وليت الكاتب التفت إلى قوله قبل قليل وألزم به الفريح قبل أن يلزمني به (إن إيراد الحقائق التاريخية واعتماد تلك الرواية أو نفي الأخرى يحتاج إلى تحرٍ وتدقيق، وليس إلى مجرد نقولات ينقض بعضها بعضاً، وغاية ما في الأمر أن الكاتب ينفي حادثة أو معلومة معينة بإيراد رواية أخرى لا تزيد عليها قوةً وثباتاً من حيث سندها أو مصدرها). وأقول: قد أثبت ردة الزبرقان علماء كالطبري وكما أن الأصل البقاء على الإسلام فلا يخرج منه إلا بدليل كذلك الأولى عدم الطعن في نية خالد بن الوليد سيف الله المسلول، وهو الصحابي الجليل وقد روي في حقه (فإنكم تظلمون خالداً..) من أجل عصبية قبلية مرفوضة وبخاصة أن مالكاً لم يقتل في معركة حيث لا يستطيع أن يدفع الريبة عن نفسه بل قتل بعد أسره وبقائه بين يدي المسلمين مدة تكفل له التصريح ببقائه على الإسلام ودفع الريبة عن نفسه ولو سلمنا جدلاً بعجلة خالد وعدم تثبته فالصحابة أنفسهم لا يرضون قتل امرئ مسلم دون تثبت وبخاصة أن سرية ذهبت وأتت به من غير قتال. فأي اجتهادٍ وتأويلٍ لقتله بعد هذا يمكن أن يقبل.
3- قوله: (ثانياً: من التناقض العجيب أن الكاتب يورد ما يهدم كلامه ويبطل استدلاله في الفقرة نفسها، فتجده يقول: فالقول بالخطأ مردود فما لك لم يقتل في المعركة بل قتل صبراً، وفي هذه الحالة إما أن يكون قتله على وجه حق، أو يكون باطلاً يستوجب حداً.. إلخ.
وقبل بيان تناقض الكاتب نوضح أن هذا من التلاعب بعقول القراء، فهو يتكلم عن القتل خطأ، ثم في الرد على الكلام يجعل المسألة في شقين (إما أن يكون حقاً أو يكون باطلاً) وكلمة باطل قد تعني أنه قتله متعمداً من غير وجه حق، بعكس الخطأ الذي عليه مدار الحديث، وهو أن يكون متأولاً أو مجتهداً، وقد خرج الكاتب من التاريخ إلى الفقه، فهو يرى أن قتل خالد لمالك بغير حق يستوجب حداً، ولكنه يعود بعد ذلك لينقض غزله ويدفع حجته بنفسه حينما يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) وذلك عندما قتل خالد الأسارى من بني جذيمة، فوداهم صلى الله عليه وسلم، وقال مقولته تلك، ولم يعزل خالداً عن إمرة الجيش، فضلاً عن أن يقيم عليه الحد كما يزعم أخونا الفاضل).
أقول سبحان الله كان على أستاذ البحث العلمي أن يعرف افتراض الأسئلة والجواب طلباً عنها لرد كل ما يرد على المذهب المخالف وعليه أن يُدرك أن افتراضها لا يعني تناقضاً بل هو من الاحتجاج للخصم ودفع تلك الحجة، وهذه طريقة عند العلماء.
والفرق بين الحادثتين بين وواضح، فالأولى التي قال فيها المصطفى اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد وأمر علياً بدفع الدية للقتلى تختلف عن قتل مالك بن نويرة من قبل أن بعض الصحابة لم يقتلوا أسراهم ورفضوا أمر خالد في بني جذيمة مما يدل على أن بعض الصحابة لا يقر خالداً على قتل مالك بن نويرة لو لم يرتد.. بل إن بني جذيمة كانوا كفاراً ومالك بن نويرة كان مسلماً ثم ارتد.
قوله (ثالثاً: في اعتقادي أن المقال كله مبني على المغالطة، إذ إن ما أورده د. عبدالرحمن الفريح ونقل عن الشيخ الدكتور عبدالعزيز الفريح في هذه القضية أعني موقف بني تميم في الردة لم يكن يتحدث عن أفراد تبعوا سجاح أو لم يتبعوها، وإنما يتحدث عن أن بني تميم لم تكن لهم ردة حقيقة كما ارتدت بعض قبائل العرب بمجملها، فإن المصادر تقول: وارتدت بنو حنيفة، بل ما يدل على عموم الردة في بني بكر بن وائل وقبائل ربيعة) وقوله: (وإن كان أفراد من هذه القبيلة ثبتوا على الإسلام، في حين ان الحديث عن بني تميم بشكل عام يأتي في الموقف المناوئ للردة المنتصر للحق، فلم تكن هناك أي معارك مع جيش الخلافة، ولم يقتل أحد من سادتهم)، وأقول: ما هذه القراءة وما هذا الاستنتاج يا أستاذ البحث العلمي وبنو حنيفة لم يرتدوا كلهم فثمامة بن أثال ومن معه من بني حنيفة قاتل مسيلمة وقومه وكذلك الجارود وغيرهم من رجال ربيعة. ولا علاقة بين الموقف العام والخاص في تلك الأحداث إذ أثبت ردة بعض بني تميم مصادر متقدمة ومتأخرة ومؤرخون كبار كابن سعد في طبقاته وابن سلام الجمحي في طبقات الفحول وابن كثير في البداية والنهاية وابن خلدون والبلاذري في فتوح البلدان وابن عبدالبر في الاستيعاب والمسعودي في التنبيه والإشراف وبعضهم قد رجع إليه، وقد أثبتوا قصة متمم بن نويرة بالتواتر وهو دليل يؤخذ به حين قال عمر بن الخطاب له فيما نقلته المصادر، قال البلاذري في أنساب الأشراف ما يؤكد ذلك: (لو أحسنت قول الشعر لرثيت زيداً أخي، فقال متمم: ولا سواء يا أمير المؤمنين، قتل أخي كافراً، وقتل أخوك مسلماً مجاهداً، ولو صرع أخي مصرع أخيك ما رثيته ولا بكيته. فقال عمر: ما عزاني أحد عن أخي بأحسن مما عزيتني به). فالتواتر وسكوت عمر بن الخطاب دليل على ثباتها وبخاصة بعد مناقشة الخليفة أبي بكر له في الحادثة المشهورة وخروجه راضياً عنه وبإمكانه الرجوع إلى المقال السابق لمعرفة هذه القضية وملابساتها.
3- قوله: (رابعاً: ما أنكره الكاتب على د. الفريح نسبة سجاح إلى بني تغلب، فأقول: إن الدكتور لم يختلق هذا الكلام من تلقاء نفسه، بل ذكرت بعض المصادر ذلك، ومن ذلك (البداية والنهاية) قال ابن كثير:.. إذ أقبلت سجاح بنت الحارث بن سعيد بن عقفان التغلبية، من الجزيرة..).
هذا قول شاذ لا يقبل من باحث، والتأصيل العلمي والمنهجية تأبى ذلك والأدلة على بطلانه كثيرة ويكفي أنه أثار ضحك المتقدمين والمتأخرين.
4- قوله: (خامساً: ما ذكره الكاتب من أن الأحنف كان صغيراً زمن الردة (عمره 15 سنة)، أقول: أولاً لم تذكر المصادر المتقدمة سنة ولادته، وثانياً، جاء في ترجمة الأحنف في (الاستيعاب 77 والإصابة 25) (وابن قتيبة في المعارف) وغيره: إن الأحنف كان أدرك عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا له، وذلك أنه أرسل - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من ليث إلى بني سعد رهط الأحنف يعرض عليهم الإسلام، فقال الأحنف: إنه يدعو إلى خير ويأمر بالخير، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم اغفر للأحنف) والحديث أخرجه الإمام أحمد وغيره.
وأقول: الحديث الذي رواه استدلالاً على أن الأحنف كان كبيراً أيام النبي صلى الله عليه وسلم ضعيف، ولو كان الأحنف بهذه الشهرة التي تجعله يقلب مؤشر العرب في حروب الردة بعد وفاة الرسول مباشرة كما قال الفريح لقدم في وفد بني تميم وبخاصة أن الوفد كان لبني سعد رهط الأحنف الرجل العاقل الذي لا تفوته مثل هذه الفرصة، والحديث مروي من طريق واحد ضعيف وهو طريق علي بن زيد قال ابن حجر في الإصابة في معرفة أسماء الصحابة: (تفرد به علي بن زيد وفيه ضعف)، وقال المزي عنه في تهذيب الكمال في أسماء الرجال: (وقال أيوب بن إسحاق بن سافري: سألت أحمد عن علي بن زيد فقال: ليس بشيء وقال حنبل بن إسحاق بن حنبل: سمعت أبا عبدالله يقول: علي بن زيد ضعيف الحديث. وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين: ليس بذاك القوي. وقال معاوية بن صالح عن يحيى بن معين: ضعيف وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: ليس بذاك وقال مرة أخرى: ضعيف في كل شيء. وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين: ليس بشيء وقال في موضع آخر: ليس بحجة وقال في موضع آخر: علي بن زيد أحب إلي من بن عقيل ومن عاصم بن عبيد الله. وقال أحمد بن عبدالله العجلي: يكتب حديثه وليس بالقوي.. وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: واهي الحديث ضعيف فيه ميل عن القصد لا يحتج بحديثه. وقال أبو زرعة: ليس بقوي وقال أبو حاتم: ليس بقوي يكتب حديثه ولا يحتج به وهو أحب إلي من يزيد بن أبي زياد وكان ضريراً وكان يتشيع. وقال الترمذي: صدوق إلا أنه ربما رفع الشيء الذي يرفعه غيره وقال النسائي: ضعيف وقال أبو بكر بن خزيمة: لا أحتج به لسوء حفظه. وقال أبو أحمد بن عدي: لم أر أحداً من البصريين وغيرهم امتنعوا من الرواية عنه وكان يغلي في التشيع في جملة أهل البصرة ومع ضعفه يكتب حديثه. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالمتين عندهم.
وقال الدارقطني: أنا أقف فيه لا يزال عندي فيه لين. وقال معاذ بن معاذ عن شعبة: حدثنا علي بن زيد قبل أن يختلط. وقال أبو الوليد وغير واحد عن شعبة: حدثنا علي بن زيد وكان رفاعاً.
وقال إبراهيم بن عبدالله بن الجنيد: قال رجل ليحيى بن معين: وأنا أسمع علي بن زيد اختلط؟ قال: ما اختلط علي بن زيد قط ثم قال يحيى: حماد بن سلمة أروى عن علي بن زيد. وقال سليمان بن حرب عن حماد بن زيد: حدثنا علي بن زيد وكان يقلب الأحاديث وفي رواية: كان علي بن زيد يحدثنا اليوم بالحديث ثم يحدثنا غداً فكأنه ليس ذاك. وقال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد يتقي الحديث عن علي بن زيد فسألته مرة عن حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عقبة بن صهبان عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ) فقال: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عقبة بن صهبان عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم تركه وقال: دعه وكان عبدالرحمن يحدث عن الثوري وابن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد عنه. وقال أبو معمر القطيعي: كان ابن عيينة يضعف بن عقيل وعاصم بن عبيد الله وعلي بن زيد. وقال أيضاً: قال بن عيينة كتبت عن علي بن زيد كتاباً كبيراً فتركته زهداً فيه. وقال علي بن المديني عن سفيان بن عيينة: وهبت كتاب بن جدعان فقيل لسفيان: لِم وهبته؟ قال: قد كنت حفظته ولم أراني أنساه وكنت أريد أتثبت منه. وقال محمد بن المنهال: سمعت يزيد بن زريع يقول: لقد رأيت علي بن زيد ولم أحمل عنه فإنه كان رافضياً.
وذكر الحصري في كتابه زهر الآداب ما يثبت أن الأحنف كان صغيراً فقال وروى عيسى بن دأب قال: (أول ما عرف الأحنف بن قيس وقُدّم أنه وفد على عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وكان أحدث القوم سناً، وأقبحهم منظراً، فتكلم كل رجل من الوفد بحاجته في خاصته، والأحنف ساكت، فقال له عمر: قل يا فتى! فقام فقال: يا أمير المؤمنين، إن العرب نزلت بمساكن طيبة ذات ثمار وأنهار عذاب، وأكنّة ظليلة، ومواضع فسيحة، وإنا نزلنا بسبخة نشاشة، ماؤها ملح، وأفنيتها ضيقة، وإنما يأتينا الماء في مثل حلق النعامة فإلا تدركنا يا أمير المؤمنين بحفر نهر يغزر ماؤه، حتى تأتي الأمة فتغرف بجرّتها وإنائها أوشك أن نهلك، قال: ثم ماذا؟ قال: تزيد في صاعنا ومدنا، وتثبت من تلاحق في العطاء من ذريّتنا. قال: ثم ماذا؟ قال: تخفف عن ضعيفنا، وتنصف قوينا، وتتعاهد ثغورنا، وتجهز بعثنا، قال: ثم ماذا؟ قال: إلى ها هنا انتهت المطالب، ووقف الكلام. قال: أنت رئيس وفدك، وخطيب مصرك، قم عن موضعك الذي أنت فيه. فأدناه حتى أقعده إلى جانبه، ثم سأله عن نسبه، فانتسب له، فقال: أنت سيد تميم، فبقيت له السيادة إلى أن مات). ولا أشك أن شخصية مثل الأحنف قد نسجت حولها كثيراً من الأخبار والأحاديث وبخاصة أنه عاش في فترة كثر فيها الوضع حتى انهم وضعوا أحاديث في الديكة البيضاء والباذنجان وعمتنا النخلة وتدوين السنة جاء متأخراً.
5- قوله: (سادساً: كلامه عن العصبية القبلية: تحدث الكاتب - وفقه الله - عن أي كلام الدكتور عبدالعزيز الفريح يشم منه رائحة العصبية، مع أن كلام الدكتور عبدالعزيز في هذه المسألة مبني على تأصيل منهجي وبحث علمي لا هو كحال مقال الكاتب، وقال مثل ذلك عن الدكتور عبدالرحمن الفريح، فماذا نقول لغضبته المضرية أو الربعية إن شئت في تعقيبه على الدكتور عبدالرحمن الفريح عندما ذكر أن بني تميم أجلت بطون ربيعة من أطراف الجزيرة العربية إلى أرياف العراق) فأي تأصيلٍ علمي فيمن ينسب سجاحاً إلى تغلب وأي منهجية فيمن يتهم خالد بن الوليد وقد حطب في حبال المستشرقين والشعوبيين ويحاول تبرئة المرتدين ومنهم مالك بن نويرة وكأنه يؤيد من يرى أن خالداً قتل مالكاً من أجل زوجته فحاشا أبا سليمان أن يكون هكذا والأعجب من هذا أن يستدل أستاذ التأصيل العلمي بقول معاصر على قضايا في الجاهلية وصدر الإسلام متجاهلاً مصادر التراث لأنه لم يجد ما يوافق هواه إلا كلام هذا المعاصر فقال: (وهذا الأمر؛ أعني سيطرة بني تميم واحتلالهم منازل ربيعة في بداية ظهور الإسلام، أمر لا يمكن إنكاره، بل هو من الحقائق التاريخية التي تظهر بوضوح لمن يستقرئ تاريخ تلك الفترة ويبحث في منازل القبائل العربية، ولعل الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - علاّمة الجزيرة في هذا الشأن وله الباع الطولى فيه، وهو المرجع والمعتمد حينما يتحدث عن المواضع والبلدان). انتهى كلامه.
وأقول: ومن ينعم النظر ويمعن الفكر في تاريخ العرب في الجاهلية وصدر الإسلام يقف على حقيقة مطلقة لا تقبل الجدال ألبتة وهي أن حروب البسوس بين قبائل ربيعة هي السبب في هجرات ربيعة وليس هناك أي سبب خارجي، بدليل قصة قوس حاجب بن زرارة من سادات تميم وهم مما تفتخر به تميم عندما رهن قوسه لدى كسرى ليفي له بخفارته لقوافل كسرى المتجهة إلى اليمن فمدح أبوتمام أبا دلف العجلي قائلاً:
إذا افتخرت يوما تميم بقوسها |
وزادت على ما وطدت من مناقب |
فأنتم بذي قار أمالت سيوفكم |
عروش الذين استرهنوا قوس حاجب |
فقبيلة تُطْرد من قبيلة أخرى لا تستحق شرف الانتصار على إمبراطورية كسرى ولا تستحق شرف قوله صلى الله عليه وسلم المروي عن عبدالله بن الأخرم عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم ذي قار: (اليوم أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وبي نُصروا) مما يدل على جهل أستاذ البحث العلمي بأيام العرب وانتصارات قبائل ربيعة (حلف اللهازم) على تميم والعكس، وفي ذلك يقول جرير معرضا بالفرزدق:
ويوم الصفا كنتم عبيداً لعامر |
وبالحزن أصبحتم عبيد اللهازم |
ومنها يوم الشيطين العظيم لبكر بن وائل على تميم وكان قبيل الإسلام، وقد قال أبوعبيدة في قصته (العقد الفريد): (لما ظهر الإسلام، قبل أن يُسلم أهلُ نجد والعراق، سارت بكر بن وائل إلى السواد، وقالت: نغير على تميم بالشيطين، فإن في دين ابن عبدالمطلب أنه من قتل نفسا قُتل بها. فنغير هذا العام، ثم نُسلم عليها. فارتحلوا من لعلع بالذّراري والأموال، فأتوا الشيطين في أربع.. قال: قُتل من بني تميم يوم الشيطين ولعلع ستمائة رجل. قال: فوفد وفد بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ادع الله على بكر بن وائل. فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ومن يتأمل استدلالك بكلام حمد الجاسر وقبله استدلال الدكتور الفريح بمؤرخين سوريين معاصرين على قضايا كبيرة يدرك أن البضاعة مزجاة والاستدلال مجرد من أي حقيقة تاريخية؛ لأن المرجع المعتمد في المواضع والبلدان ليس حمد الجاسر ولا المؤرخين السوريين بل علماؤنا الأوائل من أمثال أبي عبيد البكري في (معجم ما استعجم) إذ قال عن سبب هجرات ربيعة التي وجدت قبائل قوية هناك: (وأقامت سائر قبائل ربيعة، من بكر وتغلب وغفيلة وعنزة وضبيعة في بلادهم، من ظواهر نجد والحجاز وأطراف تهامة، حتى وقعت الحرب بينهم في قتل جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان كليب بن ربيعة، وانضمت النمر وغفيلة إلى تغلب، فصاروا معهم، ولحقت عنزة وضبيعة ببكر بن وائل، فلم تزل الحروب والوقائع تنقلهم من بلد إلى بلد، وتنفيهم من أرض إلى أرض، وتغلب في كل ذلك ظاهرة على بكر، حتى التقوا يوم قضة، وقضة: عقبة في عارض اليمامة، وعارض: جبل، وقضة من اليمامة على ثلاث ليال، وذلك يوم التحالق، فكانت الدبرة لبكر على بني تغلب فتفرقوا على ذلك اليوم وتلك الوقعة، وتبددوا في البلاد، أعني بني تغلب، وانتشرت بكر بن وائل وعنزة وضبيعة باليمامة، فيما بينها وبين البحرين، إلى أطراف سواد العراق ومناظرها، وناحية الابله، إلى هيت وما والاها من البلاد، وانحازت النمر وغفيلة إلى أطراف الجزيرة وعانات وما دونها، إلى بلاد بكر بن وائل وما خلفها من بلاد قضاعة)، وقال أيضا ياقوت الحموي في معجم البلدان: (وبِقِضَةَ كانت وقعة بكر وتغلب العظمى في مقتل كليب، والجاهلية تسميها حرب البسوس وفيه كان يوم التحالق، فكانت الدَّبرة لبكر بن وائل على تغلب، فتفرقوا من ذلك اليوم، وبعد تلك الوقعة كانت الوقائع التي جرها قتل كليب بن ربيعة حين قتله جساس بن مرة فشتتهم أخوه المهلهل في البلاد)، ولم يكن التفرق بدعا على ربيعة، بل كان في قبائل العرب ومنها تميم، قال البكري أيضا: (وظهرت تميم بن مر بن أد بن طابخة، وضبة بن أد بن طابخة، وعكل بن أد، إلى بلاد نجد وصحاريها، فحلوا منازل بكر وتغلب، التي كانوا ينزلونها في الحرب التي كانت بينهم، ثم مضوا حتى خالطوا أطراف هجر، ونزلوا ما بين اليمامة وهجر. ونفذت بنو سعد بن زيد مناة بن تميم إلى يبرين وتلك الرمال، حتى خالطوا بني عامر بن عبدالقيس في بلادهم قطر، ووقعت طائفة منهم إلى عمان، وصارت قبائل منهم بين أطراف البحرين، إلى ما يلي البصرة، ونزلوا هنالك إلى منازل ومناهل كانت لإياد بن نزار، فرفضتها إياد، وساروا عنها إلى العراق) تأمل الجملة الأخيرة جيداً.
والقارئ الجيد لنصوص التاريخ يدرك أنه لا يمكن لقبيلة أن تطرد قبيلة بكاملها؛ ولذلك تطل علينا هذه القضية وهي طرد بكر وتغلب قديما من الجزيرة وطرد قبيلة عنزة (بنو وائل) وهي الوريث الوحيد لربيعة من جزيرتها حديثا، وهذا تنفيه النصوص التاريخية والأشعار التي قيلت في تلك الفترة، ومنها:
- أن هناك قبائل بقيت لم تغادر مثل بني حنيفة في اليمامة قديما وولد علي وولد سليمان وبعض العمارات حديثا ومع أن هذه القبائل المنتقلة نتيجة الظروف قد واجهت قبائل قوية مستقرة في أراضيها، ومع ذلك هزمتها واستطاعت أن تحجز لها مكانا فيما اختارته من أمكنة مناسبة.
- إضافة إلى النصوص التي ترد فرية الطرد المزعومة قديما هناك نصوص تؤكد أن هذا الزعم مختلق ولا أصل له، والسبب الرئيس الجوع والدهر، قال عبدالله بن ماجد بن هذال:
يا نجد لاجاك الحيا صيحي لنا |
وشبي لنا بدار المزوزي نار |
يا نجد لا جاك الحيا وصي لنا |
خلفت أنا يا نجد ما ارخصك عندي |
مير الدهر والوقت فينا جار |
وبالسيف الاملح نهذب الاشرار |
حاميك أنا يا نجد بالرمح والقنا |
من لابت تسقي الخصيم امرار |
حنا شباة الحرب صبيان وايل |
وقول سعدون العواجي:
أثاري كذبك يا بن (...) بالحيل |
تقول من خوفك نحرنا الشمالي |
لولا علومك ما نكسنا عن الكيل |
من الديرة اللي هواها شف بالي |
ننزل لكم (رخا) وناخذ ليالي |
نبي نطاردكم على شرد الخيل |
6- قوله: (سابعاً: وهي ثالثة الأثافي وباقعة المقال، إذ إنها لا تتضمن مغالطات تاريخية فحسب، بل وتلاعباً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث المتفق على صحته أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: (لا زلت أحب بني تميم..). فهذه الفضائل هي لبني تميم عامة، وليست خاصة ببني العنبر كما يزعم الكاتب، بل هذا محض اختلاق منه).
وأقول: أنا لم أنكر فضل قبيلة تميم، مع أنها قبيلة مثلها مثل بقية قبائل العرب تمدح في نصوص وتذم في نصوص أخرى، ولا أدل على ذلك من نزول قرآن يتلى إلى يوم القيامة في رجال من تميم {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} وقال محمد بن إسحاق وغيره: نزلت في جفاة بني تميم، قدم وفد منهم على النبي صلى الله عليه وسلم فدخلوا المسجد، فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته أن اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين، فآذى ذلك من صياحهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم، فقالوا: إنا جئناك يا محمد نفاخرك، ونزل فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} وكان فيهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم. مع أن الفريح قد استدل بقول لو أبطأ الإسلام قليلا لأكلت تميم الناس)، وهذا القول مروي أيضا عن تغلب من ربيعة وهو الأشهر في المصادر التاريخية كالأعلم الشنتمري في أشعار الشعراء الستة الجاهليين، وأبي عمرو الشيباني في شرح المعلقات، والبغدادي في خزانة الأدب، فأي تأصيل ومنهجية تتحدث عنها يا أخا العرب، وقد تحدثت عن افتخار الفريح بحديث نسبهم إلى إسماعيل، فالتبس الأمر على أستاذ البحث العلمي حينما بتر النص، وهذه عادته مع كل النصوص التي صاغها لتوافق هواه للأسف، وهذه المزية خاصة ببني العنبر وهم من قضاعة من قحطان، كما تحدثت المصادر التاريخية. وأما إثباته بني العنبر في تميم فلا يعني إثبات عدنانيتهم بل هي إثبات قحطانيتهم لاختلاف العرب في نسبهم وهم في قضاعة من قحطان وقد دخلوا في تميم، وحديث العتق يثبتهم في قحطان مع أنهم في عداد تميم عند العرب، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يبين أن العرب جميعهم (عدنان وقحطان) في إسماعيل، وليست هناك عرب عاربة ولا مستعربة، كما هي الكذبة الكبرى، وهذا لا يتأتى إلا بعتق بني العنبر وليس خولان الثابتة قحطانيتهم، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم نظرات في علم النسب لا تخفى على ذي لب، ولعلة ربما تخفى علينا كان النهي، وكلنا يعرف ذلك الرجل الذي سأله على المنبر: من أبي يا رسول الله؟ وقد عرفت عند العرب قضية بني العنبر وكتب عن الخلاف فيها نسابتهم وعلماؤهم، ومنهم أيضا ابن حزم في جمهرة أنساب العرب إذ قال: (وقال قوم: إن العنبر بن عمرو بن تميم هو العنبر بن عمرو بن لحيون بن يام مناة بن شبيب بن دريم بن القين بن أهود بن بهراء. وهذا خطأ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن بني العنبر من ولد إسماعيل بن إبراهيم - صلى الله عليهما وسلم -. وقد أتى إلى بني العنبر المذكورين رجل شاعر من بهراء، اسمه الحكم بن عمرو، يمت إليهم بهذا النسب؛ فطردوه من جميع بلادهم حتى خرج منها، ورحل عنهم).
وقال البلاذري في أنساب الأشراف: (وأم خارجة هي التي يقال في المثل: أسرع من نكاح أم خارجة، وذلك لأنه كان يقال لها خطب فتقول: نكح، وقد ولدت في العرب. تزوجها رجل من إياد بن نزار ففرق بينهما ابن أخيها خلف بن دعج بن سعد.
ثم خلف عليها بكر بن يشكر بن عدوان فولدت له خارجة فكنيت به. ثم تزوجها عمرو بن ربيعة بين حارثة بن عمرو مزيقياء فولدت له: سعداً أبا المصطلق والحيا. ثم خلف عليها بكر بن عبد مناة بن كنانة فولدت له: ليث بن بكر. والديل بن بكر. ثم خلف عليها مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد فولدت له: غاضرة بن مالك. وعمرو بن مالك.
ثم خلف عليها جشم بن مالك بن كعب بن القين بن جسر فولدت له: عرانية. ثم خلف عليها عامر بن عامر بن لحيون بن تام مناة بن بهراء فولدت له ستة أحدهم العنبر.
ثم تزوجها عمرو بن تميم بن مر فولدت: أسيد. والهجيم، واحتبس العنبر عنده وتبناه إليه، والله تعالى أعلم).
قال ابن الكلبي في نسب معد واليمن الكبير: (والعنبرُ بنو عمرو بن لحيون؛ أُمهم: أمُّ خارجة بنت سعد بن عبدالله بن قُداد بن ثعلبة بن معاوية بن زيد بن الغوث بن أنمار بن بجيلة.
إخوتهم لأُمهم: خارجةُ بن بكر بن يشكر بن عدوان. وسعد بن عمرو بن ربيعة بن خُزاعة. وليث، والديل، وعُريجاً، بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة. وغاضرةُ، وعمرُ ابنا مالك بن دودان بن أسد. وعُرانيةُ بن وائل بن جُشم بن كعب بن القيم بن جسر. والعنبرُ، ومالكُ، وأسيد، والهُجيمُ، والقُليبُ، بنو عمرو بن تميم، وشيبانُ، وعامراً ابنا ذهل بن بكر بن وائل، ويُقالُ إن العنبر ذهب مع أُمّه إلى عمرو بن تميم فانتسب إليه، وذلك قوله:
قد رابني من دلوي اضطرابُها |
والنَّأي عن بهراءَ واعتزالها) |
وقال القلقشندي في نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب: (بنو العنبر - ويقال بلعنبر - بفتح الباء وسكون اللام، حي من تميم من العدنانية وهم بنو العنبر بن عمرو بن تميم، وتميم يأتي نسبه عند ذكره في حرف التاء المثناة من فوق، ورأيت في حاشية نسخة من كتاب الأنساب لأبي عبيدة أن العنبر ابن بهراء لا ابن عمرو بن تميم)، وأما قضية العدنانية والقحطانية فكلهم في إسماعيل عليه السلام وهذا التقسيم يلحظ عليه مسحة شعوبية ومداخلة أجنبية حتى أصبح الطعن في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وإسماعيل، عليهما السلام، هدفاً من أهدافهم من خلال هذه القضية، وغرضا من أغراضهم ولذلك أنكروا أن يكون الذبيح سيدنا إسماعيل وقالوا هو إسحاق، قال المستشرق بلجريف مؤيداً هذه النظرة في كتابه وسط الجزيرة العربية وشرقها:(إن عتاقة بني قحطان الضاربة في القدم ونقاء سلالتهم قد أعطيا أسلاف قحطان ميزة النبالة التي تقرها شبه الجزيرة العربية لدرجة أن اسم العرب لم يكن يطلق إلا عليهم وعلى أسلافهم، ومن هنا يصبح محمد أقل نبلا من حيث المولد عن أولئك الذين أخضعهم - بمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم يصبح من عامة الشعب أو الدهماء عندما نقارنه بأتباعه (الاستقراطيين) - ولتوضيح هذا التناقض وهو تناقض خطير في أعين الشرقيين اخترعوا مسألة زواج إسماعيل من أسرة قحطانية وبذلك أمكن تعويض الشرف الذي لا يمكن الحصول عليه من طرق أبوة ولد إبراهيم عن طريق الأم الجرهمية هذا الزواج الحظيظ هو الذي أضف صفة النبالة بشكل عام...) ومما يدل على أن عدنان وقحطان في إسماعيل وليست هناك عاربة ومستعربة:
1- هذا رأي الإمام البخاري ونص عليه ابن خلدون في تاريخه في قوله باب نسبة اليمن إلى إسماعيل وساق في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم لقوم من أسلم يتناضلون (ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان رامياً، ثم قال وأسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر من خزاعة يعني وخزاعة من سبأ والأوس والخزرج منهم، وأصحاب هذا يرون أن قحطان بن الهميسع في إسماعيل عليه السلام، وورد كذلك في جمهرة النسب لابن حزم أنه مر على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق..
وقد ذكر السهيلي في (الروض الأنف) أن أسلم بن أفصى أخو خزاعة وهم بنو حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر، وهم من سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وقال ابن عبدالبر في الإنباه على قبائل الرواة: كان ابن عمر رضي الله عنه يشهد لقول من جعل قحطان وسائر العرب من ولد إسماعيل عليه السلام قول رسول الله لقوم من أسلم والأنصار: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً، وقول المنذر بن حرام جد حسان بن ثابت الأنصاري (والخزرج والأوس) من سبأ من القحطانية).
ورثنا من البهلول عمرو بن عامر |
وحارثة الغطريف مجداً مؤثلاً |
مآثر من نبت بن نبت بن مالك |
ونبت ابن إسماعيل ما إن تحولا |
ويؤكد نسبتهم في قحطان قول حسان رضي الله عنه (فنحن بنو قحطان..) وذكر أيضاً ابن خلدون في تاريخه أن من يرى قحطان في إسماعيل يحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرماة من الأنصار: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً، والأنصار كما ذكرنا من ولد سبأ وهو ابن قحطان، وقيل إنما قاله لقوم من أسلم بن أفصى إخوة خزاعة بن حارثة، بناء على أن نسبهم في سبأ، وأكد النويري في نهاية الأرب أنه قاله لنفر من أسلم وهو أخو خزاعة، ورد السهيلي هذا الدليل قائلا: لا حجة في شيء منهما، إذا كانت العرب كلها من ولد إسماعيل، والصحيح أنه قول الرسول لأسلم وأراد أن خزاعة من بني قمعة أخي مدركة بن إلياس من العدنانيين، وذكر أن بعض أهل النسب ذكر أن عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس كان حارثة قد خلف على أمه بعد أن مات قمعة ولحي صغير، فتبناه حارثة وانتسب إليه، فيكون النسب صحيحا بالوجهين جميعا إلى حارثة بالتبني وإلى قمعة بالولادة، ونسب خزاعة إلى قمعة في الحديث الصحيح عن أكثم الذي صرح فيه بنسب عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة، كما نسب في قول المعطل الهذلي يخاطب قوما من خزاعة:
إذا حضروا لا يشهدون المعرفا |
مع أنا نجد نصاً للعزاوي في عشائر العراق يؤكد فيه نسبة خزاعة في قحطان ولكنها تسلطت فيما بعد على العدنانية ثم تقوت عليها فدخلت فيها..
ورجح ابن حزم نسبة قحطان في إسماعيل استدلالا بالحديث الذي خاطب قوماً من خزاعة وقيل من الأنصار.. وهذا يؤكد أن الأمر مختلف فيه في خزاعة ولكنه ثابت في الأنصار القحطانيين.
2- يذكر الأشعري في كتابه (التعريف في الأنساب والتنويه لذوي الأحساب) أن الدليل على أن جميع العرب من إسماعيل قوله سبحانه: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ{والخطاب في الآية للمؤمنين، لأن أولها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}
3- نقل البلاذري في أنساب الأشراف قوله: حدثني
بكر بن الهيثم بن عبدالله بن صالح عن معاوية بن صالح عن مكحول عن مالك بن يخامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العرب كلها بنو إسماعيل إلا أربع قبائل: السلف والأوزاع وحضرموت وثقيف).
4- قال العزاوي في عشائر العراق: ثم رأيت في حديث الترمذي وحسنه عن النبي قال: سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم.. وذكر أن صاحب تاريخ الخمس ذكر ما محصلته أن أبناء نوح عليه السلام ثلاثة: سام وهو أبو العرب وفارس والروم، ويافث وهو أبو الشرك. وحام وهو أبو السوداء والحبشة.. ولم يذكر العاربة والمستعربة، قال ابن عبدالبر (الإنباه على قبائل الرواة) وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الوجوه الصحاح ما يدل على علمه بالنسب.
5- حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين مخاطباً الأنصار وهم من الأزد القحطانية ما ذكر في قصة هاجر أم إسماعيل (فتلكم أمكم يا بني ماء السماء).
6- لماذا يخرج المؤرخون اليهود أبناء إسحاق بن إبراهيم من العرب وهم أقرب للعدنانيين أبناء إسماعيل بن إبراهيم عليهم السلام من القحطانيين على رأي من يقول عاربة ومستعربة.
7- وأما قوله إن ابن سلام ذكر في كتابه طبقات فحول الشعراء: إن من قديم الشعر الصحيح قول العنبر بن عمرو بن تميم، وكان جاور في بهراء فرابه ريب، فقال:
قد رابني من دلوي اضطرابها
والنأي في بهراء واغترابها
إن لا تجئ ملأى يجئ قرابها
فبين مناسبة الأبيات أنه كان مجاوراً في بهراء متنحيا عن بني تميم، وأنكر على ما خالف ذلك، وأثبت نسبهم إلى عمرو بن تميم احتجاجاً بالحديث، فقد بتر النص ولم ينقل قول ابن سلام الجمحي كاملاً، وهو:
(فمن قديم الشعر الصحيح قول العنبر بن عمرو بن تميم وكان جاور في بهراء، فرابه ريب فقال:
قد رابني من دلوي اضطرابها
والنأي في بهراء واغترابها
إن لا تجئ ملأى يجئ قرابها
وقد قال قوم إنه كان من بهراء فجاور عمرو بن تميم، وأنه قال:
قد رابني من دلوي اضطرابها |
والنأي عن بهراء واغترابها |
وأكتفي بهذه الملحوظات، ولولا مراعاة المقام لمقتضى الحال لزدتها حول كثير من القضايا التي بتر فيها النصوص لتوافق ما في هواه.
والله من وراء القصد.
عبدالله بن ثاني - الرياض
|