| |
لما هو آت لكِ وحْدكِ د. خيرية إبراهيم السقاف
|
|
أذكر تماماً... حين تتناقص أيام الشهر... وتقبل أعوامٌ جديدة علينا... أنكِ كنتِ تأخذينني لمساحة تحت السماء حيث لا أسقف تفصل بيننا... نتجرد من الجدار... نتحلل من الأبواب... ننطلق بعيداً عن سطوة المفاتيح... تطلبين إليَّ أن أتأمَّل لحظات في ملكوت الله قبل أن تأخذيني لجواركِ وتبدئيني بأسئلة ما أدركت أبعادها إلا حين نهضت بي قدماي في دروب لم تكوني فيها معي تتوكئين يديَّ... وأستند إلى وجودكِ بجواري... كنتِ تسألينني : (هل ترين من فطور؟) ومن ثمَّ: هل أشعر إذن بانفصال الزمن؟ ثم إن كنت لا أشعر فما الذي يعين اختلاف الوقت والتاريخ والدخول في شهر والخروج من آخر وبدء عام وانتهاء ما قبل؟ لكنكِ لم تنسي في تلك اللحظات أن تذكريني بالليل والنهار بالشمس والنور والحركة والعمل وبالظلمة والسكون بالهجوع والنوم... حلقات كنتِ تزجينني فيها ليس لها سقف ولا حوائط لا أبواب ولا مفاتيح لكنها كانت كوناً من الأسئلة وكمية من الإجابات أدركت بعدها أنَّ عليَّ ألا أكون مع نفسي في غير جدل وطيس مع مفارقات كل الذي حولي... تعلمت ما المتشابهات وما المختلفات، وأدركت قدرة خفية نافذة صارخة مدوية مطمئنة لوجود لله تعالى في كل مبعث استفهام وفي كل موطن إجابة... لله ما أروع أمومتكِ نوَّارة... كنت مدرسة لم يلحق بك الفلاسفة ولا العلماء ولا الأطباء ولا النفسانيون بل حتى المبدعون لم يكونوا ليبدعوا ما صنعت من جمال الحياة ورسمت خيوط الرفقة وأقمت منازل الفهم... علاقات الإنسان بالإنسان... والإنسان بالكون... تشكلت بين يديكِ كما لا يحسن المربون في هذا الزمن مُدَّعُو العلم والتطبيق... كنتِ المحضن الدافئ حين البرد والبارد المنعم حين القيظ... حتى أصبحت المصدر والمورد لكل سكناتي وحركاتي وهمينتِ عليَّ في حياتكِ ومماتكِ... هل تعلمين أنَّكِ كنتِ وأنتِ في غيبوبتكِ الأخيرة مصدر قوتي؟... الآن أين الأمهات من تفاصيل خبايا أبنائهم... ربما تمر الأيام وهم لا يلتقون بينما تلمهم أسقف بيوت واحدة... تذكرت الآن أنَّ أياماً قليلة تنكمش فيها حروف أسطر كتاب السنة الميلادية ومن ثم الهجرية... وتقبل صفحات عامين يقولون إنهما جديدان... سآخذ أبنائي لفسحة تشبه فسحتك لكنني حتماً لن أكون في قدرة قدرتك على صنع الأسئلة أو إقامة الحوار...
|
|
|
| |
|