| |
لما هو آتً دهشتها.......!! د. خيرية إبراهيم السقاف
|
|
سيدتي.. ما الذي يمكنني أن أفعله كي أخرج كلّ صباح من ثوب الانبهار وشتات الدهشة فألملم بقايا لا تزال ذاكرتي لم تمرر عليها مقصلة النسيان حين كنت كلّ مساء قبل الهجوع لبرد السكون أمرّ بمفاتيحي ومفكاتي على لوح الكهرباء فأستبدل سلكاً تعتق وذابت أطرافه بآخر أتخيره صقيلاً لامعاً، وكلي ثقة بأنني في صباح الزمهرير ستكون مدفأتي الكهربائية قد وقفت في انتظاري لتضخ بهوائها الدافئ، وأعالج أسطوانة الغاز بمفك له لمسة خاصة حين أكابر بثقة بين أفراد الأسرة وكلّ واحد منهم يبادر بأن من المفترض أن يقوّم هو خللاً في هذا الجهاز أو كسراً في ذلك المقعد أو تسرباً في أسطوانة الغاز، وكثيراً ما طلبوا إليّ استبدال الفرن بآخر كهربائي أو (بمايكرويف) يساعد على السرعة، كما أنني عند العصر لا أزال أعجن دقيقي بزيتي وأستمتع حين يغوص كفي بأصابعي الخالية من خواتمي داخل العجين فأسرع به للفرن وقد مزجته بالتمر والسمن وأعددت معه القهوة والزنجبيل، لكنهم من حولي يثيرون في وجهي الاحتجاج بأن عليّ أن أستمتع بالأجهزة الحديثة وبأيدي المساعدات اللاتي أحضرنهن بعناية ليكنّ معي مرافقات ويعددن لي مأكلي... سيدتي.. كيف أقوى على نزع جلدة ذاكرتي ورسم شفتي وبصم جبهتي بما يجعلني عندما أتحرك أهفهف برفاهة المرحلة وأتشكل من عجينتها؟ وأنا لا أقوى على استبدال (دراعتي) بأزياء باريسية لا يدهشني منها غير (صرعاتها)؟ كيف أمرّر سيقان الشابات من أمام عيني وبيدي مقص وخيط وإبرة وهناك قطع قماش بقيت من بعض ثيابي؛ لأتمّم هذه الفجوة بين الركبة ومشط القدم وهن يتحركن في سفور؟ مندهشة أنني ذات عينين تتربصان للباب خوفَ أن تدخل في الظهر إليّ أطباق طائرة تتحيّن لحظة فراغ البيت من غيري؟ مارد سيدتي يجثم على صدري كلما وجدت الصابون السائل عوض تلك القطعة الجامدة التي كنت أمرّرها على إناء الماء ومعها كفي يحركها كي تتكون لي رغوة ناعمة أغسل فيها أطراف عباءتي بعد أن تكون قد تكدرت بتراب الممرات.. وليس أكثر من انبهاري بهذا الجهاز الذي أقامه أولادي في صدر الحجرة لا يتركني هادئة بمفردي؛ إذ يتقلب بي من وجه لآخر، وتتعدّد فيه الأصوات.. قلت لهم لا أريد أن أرى ولا أن أسمع شيئاً يعكّر عليّ صفو فطرتي..... *** نهضت من جوارها وقد ربتُّ على رأسها وفي عربتي كان هناك زخم خاص يعمِّر أنفي ويملأ صفحة ذاكرتي.
|
|
|
| |
|