أضواء
تمويل احتلال العراق
جاسر عبدالعزيز الجاسر

لا يترك الساسة الأمريكيون والبريطانيون مناسبة يكون الحديث فيها عن العراق - سواء في زياراتهم الخاطفة لهذا البلد الذي تحتله قواتهم، إذ ينتظر أن تزداد هذه الأيام بمناسبة موسم الأعياد - إلا أن يطالبوا دول الجوار بمساعدة حكومة العراق بالأموال، مع أن الأموال التي ترسل إلى العراق من الكثرة، بحيث تكفي ليس لإصلاح ما خربه الغزو والاحتلال، بل إصلاح أكثر من البلد، وأخذ دافعو الضرائب الأمريكيون يتساءلون: أين تذهب أموالنا في العراق؟ فترد الإدارة الأمريكية: إنها ترسلها إلى العراق لإعادة الأمن وتمويل الإعمار، ومع هذا فالأمن معدوم ولا يوجد إعمار..!!
إذن.. أين تذهب الأموال؟ هل تسلك طرقاً أخرى ولا تذهب إلى الطرق الصحيحة التي وضعت لها الميزانيات الضخمة؟!!
إن مصروفات وزارة الدفاع الأمريكية وحدها في العراق وصلت إلى ستة مليارات وخمسمئة مليون دولار شهرياً.
والأرقام تتكلم، إذ إن الكونغرس الأمريكي خصص عشرين مليار دولار لإعادة إعمار العراق، ومع أن جميع هذه الأموال نفدت، فإن العراقيين لم يلمسوا أي إعمار حصل في بلادهم..!!
ومرة أخرى يخصص الكونغرس مبلغ ثلاثين مليار أخرى لتنفيذ خطط الإعمار، إلا أن الأموال تتبخر دون أن يتحقق شيء.
ففي عام 2005م تم اعتماد ثلاثة مليارات دولار لصالح وزارة النفط العراقية لتحديث المشروعات القائمة وبناء مشروعات جديدة، ولكن لم ينفذ سوى 30% مما خطط له، فمن ثمانية وتسعين (98) بئراً لم ينفذ سوى ستٍّ فقط، وتحديث أنابيب النفط الناقلة للتصدير وصيانتها في البصرة والخور لم ينفذ سوى 35%.
ومع أن العراق من أكبر الدول المنتجة للبترول، إلا أنه مضطر إلى استيراد احتياجاته النفطية لتغطية احتياجات السوق العراقية من الخارج، حيث لا يكفي الإنتاج المحلي سوى 40% أو في أفضل الأحوال 60%.
العجز في تنفيذ المشروعات وضياع الأموال يؤكد عجز الحكومة العراقية والشركات الأمريكية التي توكل إليها تنفيذ هذه المشروعات، وكمثال على هذه الحقيقة.. لم يرتقِ مستوى التصدير النفطي للعراق من نهاية 2005 وحتى عام 2006 سوى إلى 1.30 - 1.6 مليون برميل، في حين كان التصدير العراقي قد وصل قبل الغزو إلى أكثر من 2 مليون من قدرة العراق التي تصل إلى 3 ملايين، وسبب ذلك عمليات الفساد التي تصاحب عمليات تمويل تحديث الصناعة النفطية وصيانتها في العراق التي تتولاها شركات أمريكية متهمة بالتعاون مع مسؤولين عراقيين وأمريكيين باختلاس ما يرصد لمشروعات التحديث، وهناك أكثر من 60 قضية مرفوعة أمام المحاكم الأمريكية بهذا الشأن.
مثال آخر يتعلق بأموال الدول المانحة التي يطالبها السيد بلير وكبار المسؤولين الأمريكيين بتقديم الأموال للحكومة العراقية، فقد قدمت الدول المانحة 150 مليون دولار لمشروع حماية وأمن المنشآت النفطية بالعراق، وأسند المشروع إلى إحدى الشركات الأمريكية التي لم تنفذ شيئاً في هذا المشروع رغم أن الأموال دفعت من قبل الدول المانحة.
في خضم كل هذه الفضائح تنكشف كل يوم فضيحة جديدة للشركات الأمريكية؛ مثل صلبي بيرتون وكيلوغ وبراوان أندروت وبرسوسن، حيث عملت هذه الشركات على تقديم أسعار مبالغ فيها للمناقصات، ورغم ذلك ترسو على تلك الشركات وتفوز بها، وتستخدم الأموال المخصصة لتلك المناقصات في مجالات أخرى غير المنصوص عليها، فضلاً عن انسحاب شركات أمريكية أخرى من العراق قبل إكمال ما تعاقدت عليه بسبب غياب الأمن وانهيار الاقتصاد مثل شركة بيكتل توربوت وترول سيكيورتي.
تكشف هذه الحالات ضياع أموال دافعي الضرائب الأمريكيين ونهب الثروات العراقية، حيث تواجه إدارة بوش عدم رضا الشارع الأمريكي والكونغرس معاً تجاه سياستها في العراق، وهو ما سيولد صعوبات في تمويل حربها في العراق ويدفع المسؤولين الأمريكيين وحلفاءهم البريطانيين بالتوجه إلى دول أخرى لتمويل هذه الحرب، وهذا ما يفسر تزايد الدعوات للدول المانحة لمساعدة حكومة المالكي التي لا تزال غارقة في مجاملتها للمليشيات الطائفية، وضائعة في تعاملها مع الشركات الأمريكية.. مما أضاع الأمن والإعمار معاً.