لماذا (الجزيرة ) هي الأفضل؟

يعتمد عادةً تفضيل جمهور وسائل الإعلام لوسيلة إعلامية ما على معايير كثيرة، منها: مضمون ما تقدِّمه للناس (المتلقِّين) وتأكيد احترام القائمين بالاتصال فيها للجمهور، والنظر إليه على أنه جمهور عاقل، وواعٍ، وناضج، من الواجب رفع مستوى ثقافته، ووعيه، والسمو بذوقه، وبذلك تحمي وسائل الإعلام (المجتمع أفراداً وجماعات من الأخطاء التي يمكن أن تنشأ من إضعاف القدرة الدفاعية للجمهور، أو مقدرته على مراقبة القائمين بالاتصال، وتقييمهم، وبالتالي تحديد قيمهم الفعلية، ومقدرتهم التأثيرية).
وسأضرب مثالاً على ذلك بصحيفة (الجزيرة)؛ فرغبتها - وهذا رأيي الخاص - في الكسب المادي الذي تحقَّق سريعاً لم يجعلها تعمل على إضعاف ذوق الجمهور، كما أنها لم تجعله في وضع المستسلم الذي يتقبل كل ما يُقدَّم له، بل قادراً على التمحيص، مستعينة بأهل الرأي والخبرة من المتخصصين الذين يوثق بهم، ومساعدة الجمهور على حسن إدراكها، ومن هنا استطاعت صحيفة (الجزيرة) أن تحوز على الجائزة الأولى لأفضل تغطية صحفية إبان موسم حج العام الماضي (1426هـ).
وإذا جاز لي أن أتحدث عن الأبعاد التي ترمي إليها هذه الجائزة فإنَّ اهتمام (الجزيرة) بقضايا الحج، والتركيز عليها شكلاً ومضموناً، جعلها في مقدمة اهتمامات الجمهور النابعة من قراءته للصحيفة، وبذلك تمكنت من إيجاد علاقة ارتباطية بينها من جهة، وبين الجمهور من جهة أخرى، وهي علاقة ليست في معزل عن الواقع الاجتماعي للمجتمع السعودي، ولا عن المتغيرات الأخرى في مجال قضايا الحج، والحجاج، وخبرات المطوفين، والأدلاَّء والزمازمة، وغيرهم من أرباب الحرف الأخرى المرتبطة بالحج والحجاج، فضلاً عن الدور الذي تقوم به الحكومة كي يكون الحج إلى بيت الله الحرام أكثر سهولة ويُسراً عاماً بعد عام.
إنَّ من عوامل الصحيفة الناجحة أن تعرف كيف تخاطب الجمهور بالأسلوب المناسب في إطار توقعات وأخلاقيات المجتمع، والحصول على دلالات عن كيفية التعامل مع المواقف الجديدة للناس، فمن المعروف أنه (كلما زاد المجتمع تعقيداً زاد اتساع مجال الأهداف الشخصية التي تتطلب الوصول إلى مصادر معلومات وسائل الإعلام)، ولعل هذا هو ما أهَّل صحيفة (الجزيرة) للحصول على هذه الجائزة.
لستُ في حاجة لأن أهنِّئ أسرة تحرير هذه الصحيفة - وبخاصة أخي الأستاذ خالد بن حمد المالك رئيس التحرير - على هذا الإنجاز الصحفي المميز؛ فقد نالته بجدارة أهّلتها لهذا الفوز الذي أعتقد أن كل صحيفة سعودية تعتز به، فهو ليس مقتصراً على (الجزيرة) فحسب، بل تشاركها فيه الصحف السعودية جميعها، ولكنّ التميز له ثمن تدفعه الوسيلة الإعلامية السعودية عادة من مسؤوليتها الاجتماعية المبنية على أن كل حرية إعلامية يقابلها مسؤولية اجتماعية.