ما تزال أمتنا الإسلامية الجريحة تعاني من هذه الخلافات التي تزيدها ضعفاً وانقساماً، وتبعدها عن ساحة الوحدة التي تمكِّنها من جمع شتاتها لمواجهة أعدائها من داخلها وخارجها.
هنالك اتجاهات سياسية وفكرية في داخل الأمة الإسلامية متصلة اتصالاً روحياً ونفسياً وفكرياً وسياسياً واقتصادياً بالأعداء في غرب العالم وشرقه، وهنالك اتجاهات أخرى تمثّل غالبية الأمة متصلة بقيمها ومبادئها وشريعة ربها، والفرق بين هذه الاتجاهات كبير، والهُوَّةُ بينها سحيقة، ولكنَّ تعاقُب الأحداث في العالم بالصورة التي جرت منذ جلاء المحتلِّين من دول البطش التي أطلق عليها زوراً (دول الاستعمار) إلى أن تمَّ الاستقلال العسكري (الظاهري) بخروج دول الاحتلال الغربية، وقيام دول مرتبطة بها، إلى أن استيقظت شعوب الأمة الإسلامية واستعادت إحساسها بقيمها ومبادئها كما هو ملحوظ الآن في أنحاء العالم الإسلامي، أقول: تعاقب الأحداث بهذه الصورة أوصل الأمة إلى مرحلة الوعي بشخصيتها الحقيقية، والإدراك لخطورة أصحاب تلك الاتجاهات المرتبطة بالأعداء، والاطلاع على أدوارٍ مشبوهة يقوم بها أصحاب مصالح خاصة من بعض أبناء الأمة الإسلامية الذين باعوا عقولهم وقلوبهم لدول غربية كبرى بيعاً جلب إلى بلادهم الدَّمار والتخلّف والشقاق والانقسام.
هنا اتضحت الحقائق، وتجلَّت للناس وجوه كثيرة كانت مستورة وراء غطاء كثيف من التزييف والتلفيق والادعاء كما تجلَّت وجوه أخرى ظاهرة الملامح، تشرق فيها روح الحرص على مصالح الأمَّة، واستقلال شخصيتها عن أعدائها استقلالاً حقيقياً.
وهذا هو المنعطف المهم في حياة الأمَّة الذي يحتاج إلى عقولٍ راجحة، وقلوب سليمة، وهمم كبيرة لتجاوزه بنجاح وسلام.
فالأمة الآن تُدرك خطورة هذه المرحلة من حياتها، وتعرف من تختار من أبنائها للعمل على التخلُّص من مشكلات هذه المرحلة وسلبيَّاتها، وترى الحقائق أمامها رأي العين في عصر المعلومات التي تصل إلى كلِّ متابع وغير متابع، وما عاد ينطلي على هذه الأمة ما كان ينطلي عليها من قبل من الكذب والتزوير وتلبيس الحقائق. وعند هذا المنعطف لم يعد هنالك مجال للمصالح الشخصية والحزبية، ولم يعد هنالك موقع لأساليب التغطية والتلبيس على الناس، بل أصبح المجال مجال الشعور بالمسؤولية من الجميع، وإنكار الذات من الجميع، والسعي إلى وحدة الصف والتئام الشمل من الجميع.
إنَّ المرحلة الرَّاهنة لا تحتمل التسويف، وقطار الأحداث منطلق إلى الأمام، ولن يعود إلى الوراء من أجل شخص أو منظمة أو حزب، إلا على أنقاض وأشلاء ودمار.
وهنا يأتي دور الاخوة في فلسطين المحتلّة، دور الشعب الواحد في أرض مغتصبة من قِبل عددٍ ظالم غاشم، دور رجال السياسة والفكر الذين يشعرون بمسؤوليتهم التاريخية المصيرية بعيداً عن الأغراض الخاصة التي لا تخدم شعباً ولا تحرر أرضاً.
ومسؤولية منظمة فتح كبيرة، ودورهم خطير في هذه المرحلة، فهم أمام حكومة من إخوانهم في حماس، منتخبة من قِبل الشعب الفلسطيني بصورة زكَّاها العالم كلُّه، ورآها الغرب والشرق، فأصبح أمرها من الوضوح بمكان لا يُخفى على متابع، وهذا يجعل دور منظمة فتح دوراً خطيراً في هذه المرحلة لأنه مرتبط بمصير قضية الإسلام الأولى، ومصير الشعب الفلسطيني المسلم الذي يعاني داخل أرضه وخارجها معاناة لا تُخفى على أحد.
نحن ننادي بكل حبٍ وصدق ووضوح الاخوة من فتح وحماس إلى تجاوز هذا الخندق الخطير قبل أن تزلَّ فيه الأقدام ويخسر الجميع، ويكون الندم في وقتٍ لا ينفع فيه الندم.
إشارة: