| |
نوافذ جزء.... من أميمة الخميس
|
|
أعتقد أن من أبرز الإشكاليات التي تتعلق بعيوب سوق العمل لدينا وتدني نسب السعودة، مع الحاجة الملحة لتوطين الوظائف ليس المعادلة السهلة المبسطة المبنية على أن هناك عدداً كذا من العاطلين، في مقابل عدد آخر من الوظائف الشاغرة (سواء في القطاع العام أو الخاص)، وبالتالي هذا سيغطي ذاك وانتهى الموضوع. فإضافة إلى طبيعة التدريب والتأهيل الذي يمتلكه الخريجون وطلاب الوظائف والذي في غالبيته لا يلبي احتياجات السوق، هناك أمر يتعلق بثقافة العمل وتجذرها في محيطنا، بجميع حمولتها من التزام وانضباط وشعور عميق بالمسؤولية والرغبة في التفوق والتميز والإبداع كشروط هامة في سوق العرض والطلب. ما كان يحدث (وما زال) في المؤسسات الحكومية حيث توجد الوظيفة الحكومية الآمنة والأبدية، والقنوعة في نفس الوقت حيث لا تتطلب الكثير من الجهد والجودة، إضافة إلى ارتباطها بشبكة بيروقراطية كثيفة تجعل الإنتاجية بداخلها في غاية البطء، هذا كله من شأنه أن ينعكس على التوجه العالم الذي يدخل به الموظف السعودي إلى ميدان العمل، فهو يلج سوق العمل وعينه على تلك الوظيفة الحكومية الأمومية المعطاءة، والتي توفر له الأمن والأمان، وتناول إفطار شهي كل صباح، مع استئذان يومي ملح بعد أداء صلاة الظهر لجلب الأبناء من المدارس، وفي نهاية الشهر ينزل إلى حسابه البنكي الراتب كاملاً معافى. هذا المناخ الذي يطوق مفهوم العمل لعقود طويلة، خلق موقفاً سلبياً اتجاه الانضباط والالتزام في العمل في القطاع الخاص المتطلب، لا سيما أن القطاع الحكومي لدينا يمثل قطاعاً كبيراً هائلاً مكتنزاً بالهياكل الإدارية المترهلة العاجزة عن التخلص من تراكمات أخطاء ظلت تتوالى عبر أجيال إدارية متعددة. العمل كي يكون منتجاً لا بد أن يكون هناك جميع عوامل التحفيز والاستحثاث التي تجعل من الموظف أو العامل يبذل طاقاته القصوى، وجميع مكامن إبداعه وخبراته كي يتطور ويطور، وكي ينال التميز في سوق صارم ولا يرحم. ونظام العمل في الدوائر الحكومية يتلاشى به مفهوم التحدي والاستجابة، حتى الترقيات والدرجات في غالبيتها تتم بصورة شكلانية ودورية ولا تخضع لمقدار الإنتاجية، أوحقيقتها وانعكاساتها على مخرجات العمل. الكثير من معوقات مسيرة السعودة لدينا يرجع في غالبيتها إلى الطريقة التي يقارب بها الموظف مناخ العمل، ويبدو تماماً الأمر هنا بحاجة إلى جميع عوامل التحدي الذي ينتج الأجنحة المتوارية تحت أسر العادة والنمطية والاستسهال، ويقال إن طائراً عاش لسنوات طويلة في قفص، ومن ثم عندما فتح الباب له ليطير، لم يستطع، وحين أخرج من القفص أيضاً لم يطر، فقد كان يخشى قضبان القفص الوهمية القابعة في دماغه فقط، ولكن عندما أخذ وقذف إلى هاوية نشر أجنحته فجأة ومن ثم حلق في عنان السماء. فالمواجهة الحقيقية مع سوق العمل تتم عندما يصبح السوق هو ميداناً للتحدي ومضماراً للتفوق، وحيث يصبح كل يوم يحمل في طياته نقطة جديدة في الأفق يحاول من هو هنا أن يبلغها، وعندها نستطيع أن نقول إننا حققنا ثقافة ناجحة لسوق العمل، لكن عندما ينحسر العمل في كونه مجرد شكل من أشكال الضمان الاجتماعي الأمومية الحانية.. عندها لن نتوقع الكثير.
|
|
|
| |
|