| |
القروض.. آفة العصر (1 - 2) فضل بن سعد البوعينين
|
|
القروض الاستهلاكية، آفة من آفات العصر الحديث، بل هي السرطان الذي ينخر جسد المجتمع في هدوء تام، وبفاعلية يصعب تصورها، أصبحت القروض من الأمور الاعتيادية المألوفة بين المواطنين والقطاعات الرسمية، لم يعد الأمر مزعجاً لكثير من الجهات الرسمية، الاجتماعية، ومراكز البحث المتخصصة ما جعلها تتعامل مع ظاهرة القروض بسلبية عجيبة وصمت مطبق، قبل أن أتحدث عن القروض وتأثيرها على المستويين الاجتماعي والاقتصادي يُفترض أن نميِّز بين أنواع القروض المتاحة للمواطنين. فالقروض يمكن تصنيفها بحسب ما دُفعت له، وأعني أن يتم تخصيصها لمصارف محددة، ومنها القروض العقارية الموجهة لشراء المنازل على سبيل المثال، القروض الاستثمارية، والقروض الاستهلاكية التي يدخل في حكمها بطاقات الائتمان المصرفية Credit Card وغيرها من القروض الأخرى. نبدأ بالقروض العقارية التجارية (لا علاقة لها بالبنك العقاري) التي يمكن أن تكون وسيلة ناجعة لتملك المنازل بالتقسيط، أو لبناء الوحدات التجارية، فهي الخيار البديل للإيجار المنتهية منفعته بانتهاء فترة استغلال المسكن، فهي الوسيلة المتاحة لملاّك الأراضي الذين لا تتوفر لهم الإمكانيات المادية للبناء، قسط القرض السكني يمكن أن يجمع بين المنفعتين، منفعة الإيجار الشهري، ومنفعة سداد القرض العقاري المؤدي إلى امتلاك المنزل أو الشقة السكنية، مثل هذه القروض هي التي يُفترض أن تُسهل إجراءاتها للمواطنين، وأن تدفع لهم بطريقة ميسرة لا تؤثر سلباً على ميزانياتهم الشهرية وأحوالهم المعيشية. أما القروض الاستثمارية الأخرى فهي على نوعين، النوع الأول: هي القروض الاستثمارية الموجهة للاستثمار في المشروعات قليلة المخاطر ومضمونة العائد، بإذن الله، التي يمكن إدراجها ضمن القروض الداعمة للفرد والمجتمع، ومن أمثلتها قروض البنوك التجارية المتخصصة في تمويل المشروعات المنتجة الضخمة منها والصغيرة، وهي قروض يمكن أن تساعد في دعم الاقتصاد الوطني، وزيادة معدلات التنمية، ورفاهية المواطن، مثل هذه القروض يُفترض أن لا تتسبب في خلق المشكلات لأصحابها - إلا في حالة إساءة الاستخدام - خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار تكفُّلها بسداد أقساطها المستحقة من خلال عوائد الاستثمار المتوقعة المبنية على دراسات الجدوى. النوع الثاني من القروض الاستثمارية يمكن تحديدها بالقروض الموجهة للاستثمار في الأسواق عالية المخاطر كأسواق المال على سبيل المثال... هي، دون أدنى شك، من القروض الأكثر خطورة على الفرد، المنشأة الممولة، والمجتمع، يمكن تشبيهها بالورم الخبيث الذي ينشأ صغيراً ثم لا يلبث أن يتضخم وينتشر في عموم الجسد معلناً نهايته، هناك الكثير من تجارب المواطنين المؤلمة ذات العلاقة بالقروض المستثمرة في سوق الأسهم، وأسواق العملات والمعادن التي انتهت بإفلاس أصحابها والعياذ بالله. مثل هذه القروض يفترض أن لا يسمح بانتشارها بين المواطنين، وأن ينظر في تشديد الرقابة عليها، وقصر الاستنفاع بها على فئة محددة ومتخصصة من المستثمرين وفي حدود ضيقة، رأفة بالمجتمع وحماية لاقتصادنا الوطني. أخيراً نأتي إلى النوع الثالث من أنواع القروض، وهي القروض الشخصية الاستهلاكية التي ساعدت طبيعة الحياة على انتشارها، وتغلغلها بين أفراد المجتمع، بالرغم من انعكاساتها السلبية، هي أشبه ما تكون بالآفة المدمرة التي ضربت المجتمع من أدناه إلى أقصاه، فلم ينج من حبائلها، ونيرانها المحرقة إلا القليل، يبدأ القرض الاستهلاكي بحلم وردي جميل، ثم لا يلبث أن يتحوَّل، مع مرور الوقت، إلى كابوس مؤلم، أو جرعات من السم الزعاف يتجرَّعها المقترضون مع نهاية كل شهر، ولسنوات طوال. ونكمل في الغد بإذن الله.
f.albuainain@hotmail.com |
|
|
| |
|