| |
الدكتور سلمان العودة معلقاً على شغب مسرحية (وسطي بلا وسطية): أشفق على أناس يغرقون في كأس ماء
|
|
* الرياض - الجزيرة: ردَّ الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة على الأحداث التي سبقت عرض مسرحية (وسطي بلا وسطية) التي تأتي ضمن فعاليات أسبوع كلية اليمامة الثقافي في تعقيب على سؤال عن رأيه بما بدر من بعض المتشددين فقال: كنت في لندن في ملتقى إسلامي وكنا في فضاء فسيح ونحن نشارك في جملة من اللقاءات الثرية والندوات والنقاش الحر والمفتوح لم أتابع ما حدث ولكني أشفق على أناس يغرقون في كأس من الماء، مشيراً إلى ضيق الأفق. وقال الشيخ: إن على دعاة التجديد أن ينتقلوا من ضيق الرأي والمذهب والجماعة إلى سعة الشريعة مع أهمية هذه كلها في العلم الإسلامي والديني، ولكنني أدعو إلى الاعتصام بسعة الشريعة وبحبوحتها لتجديد الاجتهاد الإسلامي وتيسيره. جاء ذلك عقب محاضرته المؤجلة ضمن فعاليات أسبوع اليمامة الثقافي التي جاءت بعنوان (تجديد الخطاب الديني) والتي تضمنت 13 عنواناً توصل إلى خطاب ديني يتواكب مع الزمان والمكان، مشيراً إلى أن تجديد هذا الخطاب ضرورة فطرية وبشرية، لأن هذا الخطاب الديني الحالي مفكك وفردي بينما يشهد العالم تجمعات وتطورات هائلة في مجال التقنية والمعلومات والاختراعات. وأضاف: لماذا يتحاشى بعض المسلمين الاعتراف بضرورة التجديد ليبقى كل شيء كما كان يعهد، فليس في الإمكان أفضل مما كان، إيثاراً للألف وتوجساً وارتياباً من كل حديث وجديد أو مشتق منهما، فهو يفضل أن يبقى فكره وخطابه ولغته وطريقته وعلمه على ما هو عليه على أن تناله يد التجديد، أو تطاله بواعث التحديث وأسبابه، مشيراً إلى أن ذلك مظهر جلي من مظاهر الضعف والخور والهزيمة النفسية كما أن الارتماء في أحضان كل جديد هزيمة نفسية. وعرَّف المشرف على موقع الإسلام اليوم لفظة (الخطاب) مشيراً إلى أنها كلمة عربية فضيحة مستخدمة، والأصوليون كان يستخدمونها كثيراً، والخطاب هو المحاورة والمحادثة بين طرفين، ونسبته للدين يقصد فيها الخطاب الذي يعتمد على مرجعية دينية في مخاطبته وأحكامه وبياناته، وذكر أنه يقصد بالخطاب الديني ما يطرحه العلماء والدعاة والمنتمون إلى المؤسسات الإسلامية في بيان الإسلام والشريعة، سواء كان ذلك من خلال الخطب أو المحاضرات أو التأليف أو البرامج الإعلامية الأخرى، وقد يدخل في ذلك المناهج الدراسية الدينية في المدارس والجامعات الشرعية، مشيراً إلى إمكانية توسيع مفهوم الخطاب الديني ليشمل النشاط الإسلامي والنشاط الدعوي وعمل الجماعات الإسلامية والمؤسسات الإسلامية بشكل عام الفقهي منها والعلمي والدعوي والتربوي ونوع النشاط الذي تقوم به لتقييم مدى نجاحه وفشله وقربه من المقاصد العامة للتشريع ومن بعد ذلك تقويمه وإصلاحه وتجديده. أما كيف يتم تجديد هذا الخطاب الديني؟ فذكر الشيخ العودة صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) أخرجه أبو داود والحاكم وصححه، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم تجديد الدين نفسه، وأضاف: الخطاب الديني جزء من هذا الدين وتجديده، والذين يقومون بعمل هذا التجديد جاؤوا بلفظ (من) فهو عام يشمل الفرد والجماعة، وفي ظل توسع الأمة واتساع رقعتها والانفتاح العالمي وتضخم الخلل الموجود في واقعها فإن هذا الواقع يفرض أن هذا العمل التجديدي ليس شأن فرد واحد، بل مجموعات تتكامل فيما بينها، وتؤدي أدواراً مختلفة وتخصصات علمية متباينة وحقول معرفية كلها تنتهي عند مصب المصدر الأصلي (الشريعة). وبيّن العودة أن هناك فرقاً بين الخطاب الديني والوحي المنزل، بمعنى أن الخطاب الديني يعتمد على الوحي في كثير من الحالات، لكنه يبقى في حدود العمل العقلي البشري أو العمل الاجتهادي الذي يرتبط بإمكانيات الإنسان وقدرته وطاقته، فهو مثل خطاب الفقهاء والوعاظ والمصلحين الذي يمثل اجتهاداً من عندهم، ومفهوم (تجديد الخطاب الديني) يتنازعه طرفان: الأول: فئة تتحدث عن تجديد الخطاب الديني وهي تصدر من منطلقات غير دينية، وأعتقد أنه لا يمكن تجديد الخطاب الديني من خارج هذا الخطاب الديني نفسه سواء بظروف محلية أو عالمية. الثاني: بعض القوى الإسلامية الخائفة التي اشتد بها الخوف فإذا سمعت مثل هذا اللفظ ترامى إلى أذهاننا إنها مؤامرة لتحريف الدين أو لتغيير الخطاب. وأقول: إن تجديد هذا الخطاب ضرورة فطرية وبشرية، لأن هذا الخطاب الديني الحالي مفكك وفردي بينما يشهد العالم تجمعات وتطورات هائلة في مجال التقنية والمعلومات والاختراعات، وأعتقد بأن أية نهضة أو تنمية في العالم الإسلامي التي ينادي بها المخلصون من دعاة الإصلاح إن لم تصدر من مفهوم ديني فهي محكوم عليها بالفشل، فلا بد من خطاب ديني واع ومعاصر ومنضبط يستطيع أن يضع هذه النهضة ويساعد عليها ويدفعها لإخراج الأمة من هذا التيه والدوران الذي تدور فيه حول نفسها. إن هذا التجديد الحي قراءة واعية واعدة للنفس والآخر والواقع، وقراءة قادرة على إيجاد الحلول الشرعية المناسبة لمشكلات الواقع. وبيّن الشيخ أنه لا مناص من التجديد، وإذا لم نؤمن بذلك فأمامنا خياران: الأول: الجمود ويعني ذلك الإطاحة بحق الحياة وسحقها في عصر تكتنفه الحركة الثائرة من كل جهة. والثاني: الذوبان، وذلك معناه الإطاحة بحق الدين والشريعة والثقافة والتراث. إن هذا التجديد يجب أن يكون بأيدي رجالات الإسلام وعن طريق المتخصصين الإسلاميين، ولا أقول بالضرورة: الفقهاء، وإنما المختصون على العموم، ويجب أن تكون أدوات هذا التجديد ووسائله داخلية تلمس مشاعره وتتحدث من داخل إطاره، وعلينا أن نتفق على الضرورات والقواعد الشرعية والمحكمات الدينية الثابتة، كما يسميها ابن تيمية (الدين الجامع). أما ماهية هذا التجديد فبين الشيخ أنها ترتيب لسلم الأوليات وتنظيم للأهم والمقاصد الكبرى للعلم والدعوة والإصلاح واتفاق على ذلك وتسهيل تطبيق ذلك وتوجيهه في أرض الواقع، وإبراز لجانب القيم والأخلاق الإسلامية الإنسانية العامة التي يحتاج إليها الناس كلهم دون استثناء، وتطبيع قيم العدل التي يأمرنا بها الإسلام تجاه الخلق كلهم ومعاملة الناس كلهم بالحسنى، قال تعالى {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} قال ابن عباس (اليهودي والنصراني). ثم ذكر أن التجديد يعني العناية بالنظريات العامة في الإسلام مثل النظريات السياسية والاجتماعية والفقهية الفرعية والأصولية، ودعم المشاريع العلمية التي تصل تراث الأمة بهذا العصر وتضيف إليها تراكماً علمياً ومعرفياً. والاهتمام بالمبادرات في الخطاب الشرعي والدعوي فالأمر قبل النهي، والأمر بالمعروف مقدم على النهي عن المنكر، والإصلاح ينفي الإفساد بالضرورة والعملة الجيدة تطرد العملة الرديئة - كما يقول الاقتصاديون -، فهذا الجهد يقوي عنصر (المزاحمة) في الفكر الإسلامي والخطاب الديني. يقول جل وعلا {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ}. وتحدث عن أهمية المعاصرة فهماً واستخداماً للتقنية ومقارعة للفكر بالفكر، وضرورة قدرة الخطاب الإسلامي على نقد نفسه، ومراجعته فهو ليس بمعزل عن المحاولة والخطأ، وإغلاق باب النقد يفضي إلى الطغيان والتسلط. وأكد على أهمية التفريق بين المحكمات الشرعية المتفق عليها التي يعتبر النيل منها مساساً بأصل الديانة وبين الفروع والاجتهادات القابلة للنظر، واستشهد بالآية الكريمة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء} (24) سورة إبراهيم، فأشار إلى الأصل وثباته، فهو يمثل ثوابت الشريعة، وأشار إلى الفرع وأنه متصل بالأصل من جهة، وهو ممتد في السماء وقد يتحرك يميناً أو شمالاً دون انقطاع، وبين أن التجديد قدرٌ لا انفكاك منه، فإذا لم يتم بفعل واع مقصود، جرى بغير إرادة الناس وتولى زمامه من لا يفرق بين هذا وذاك.
|
|
|
| |
|