| |
بارك الله فيها من ندوة د. مازن مطبقاني/ أستاذ الاستشراق المشارك بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود
|
|
سعيد أنا بحضور هذه الندوة لأسباب كثيرة أولها أنها أتت بي إلى طيبة الطيبة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وثانياً لأن في زيارتي لهذا البلد الطيب صلة للرحم أرجو الله أن يكتب أجرها، وثالثاً لقاء العلماء والتعلم، ورابعاً أنها تتناول قضية شغلت فترة طويلة من حياتي في الاهتمام بها ألا وهي الاستشراق. ولابد من تقديم الشكر أولاً لرعاية مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف لهذه الندوة، فهو الصرح العلمي الكبير الذي لم ينشغل فقط بطباعة كتاب الله على أرقى المستويات، بل راح يعقد الندوات وينشر الكتب والمجلات، ويقدم البحوث العلمية القيمة. وتأتي هذه الندوة في سلسلة ندواته التي تعقد سنوياً تقريباً ليضيف إلى صرح إنجازاته التي يستحق عليها الشكر والثناء. صحيح أن الندوة تتناول الاستشراق في جانب دراسته للقرآن الكريم وهو جانب عظيم لأن المستشرقين لا يمكنهم أن يعرفوا الإسلام والمسلمين إن لم يدرسوا هذا الكتاب الذي يعد الأساس في شخصية المسلم، فنهض نفر منهم لدراسة هذا الكتاب من نواح عديدة يدرسون مصدريته، ويدرسون موضوعاته ومعانيه، ويدرسون ألفاظه ولغته، ويدرسون كيف تعامل المسلمون مع هذا النص الكريم، يدركون حقيقة قدسية هذا الكتاب، ومدى تعلق الأمة الإسلامية به، يعرفون كيف دون، ويعرفون أنه لا يوجد كتاب في الدنيا نال من العناية والاهتمام ما ناله القرآن الكريم. ولكنه بالإضافة إلى دراستهم للقرآن الكريم يدرسون كل ما يتعلق بحياة الأمة الإسلامية في المجالات العلمية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وكان المستشرق يبدأ في معرفة اللغة ثم ينتقل إلى دراسة كل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين، كان المستشرق يزعم لنفسه أن يعرف كل شيء عن هذه الأمة تاريخاً وثقافة، ويعرف الفقه والحديث والعقيدة، ولكن تطور الاستشراق إلى تخصصات غير محدودة، فإن كان الاستشراق يدرس العالم الإسلامي من خلال الدراسات التاريخية والدراسات الاجتماعية والدراسات الجغرافية والسياسية ويدرسون المسلمين من زوايا علم النفس يحللون ويجرون التجارب، ولم يعد ثمة المستشرق القديم، وإنما نشأ جيل بالغ في التخصص الدقيق حتى ليكاد الباحث الغربي يصرف حياته كلها في دراسة قضية واحدة مثل الحركات الإسلامية في بلد عربي مسلم، أو يدرس المرأة أو المجتمع في دولة أو حتى يختار إقليم من أقاليم تلك الدولة، ويمعنون في التخصص حتى يدرسون مدينة من المدن. والاستشراق القديم كان يقوم على أكتاف العلماء الغربيين الذين أفنوا أعمارهم في دراستنا، والتعرف إلينا حتى إذا نشطت البعثات العلمية إلى البلاد الأوروبية والأمريكية ليس لدراسة الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء والرياضيات بل أصبح المبتعثون العرب المسلمون يدرسون علم الاجتماع وعلم النفس والتربية، بل منهم من يدرس اللغة العربية على أيدي الباحثين الغربيين، ومنهم من يدرس أيضاً الشريعة الإسلامية، ومنهم من يتخصص في دراسة الفقه أو الحديث على أيديهم، فصار كثير من هؤلاء الطلاب أداة في أيدي المؤسسات العلمية الغربية التي يدرسون فيها، وأيدي أساتذتهم فيكلفون بدراسة قضايا معينة في المجتمعات العربية والإسلامية، فتصبح هذه الرسائل مصدراً للمعلومات عن الإسلام والمسلمين فهم أبناء البلاد يستطيعون الوصول إلى معلومات في بلادهم لا يستطيع المستشرقون أو الباحثون الغربيون مهما أوتوا من طاقة ومعرفة أن يصلوا إليها، وبالتالي تصبح رسائل أبنائنا مصدراً لهم عنا، ويكفي أن نعرف حقيقة هذا الأمر إن راجعنا قوائم الرسائل العلمية التي تمنح للطلاب العرب والمسلمين. ولا يكتفي المشرفون بأن يجعلوا الحصول على الدرجة العلمية وسيلة لهم لتحصيل معلومات عن المجتمعات العربية الإسلامية بل إنهم يؤثرون في رؤية الطلاب إلى قضايا مجتمعاتهم، فلو أخذنا مسألة المرأة وحقوقها، فتصطبغ كتابات بعض الطلاب العرب والمسلمين بوجهة النظر الغربية فتكون من مفردات أو مصطلحات البحث، حقوق المرأة، تحرير المرأة، اضطهاد المرأة، ويعود الطالب إلى بلاده، وقد تأثر بالنظرة الغربية إلى شريعتنا الإسلامية. وكم احتفى الغربيون أو الدوائر الاستشراقية والتنصيرية بكتابات قاسم أمين، وقد احتفت بعده بالطاهر الحداد في تونس في كتابه (امرأتنا أمام المجتمع والدين) الذي يطعن فيه في الشريعة الإسلامية. ومن العجيب أن اللجنة البريطانية التي كانت برئاسة سير وليام هايتر التي كانت مكلفة من قبل الحكومة البريطانية عام 1960م أن تدرس احتياجات بريطانيا في مجال دراسات العالم الإسلامي لم تكن تلك اللجنة تعرف أهمية توجيه الطلاب الأجانب لدراسة مشكلات بلادهم إلا عندما زارت جامعة ماقيل بكندا فوجدت هذا الأمر، وتساءلت اللجنة عن المبررات لذلك فأخبروا أن الطلاب يكونون منفصلين عن تلك المشكلات فينظرون إليها بموضوعية وحيادية، وقد يكون الأمر مقبولاً لولا أن وراء الأكمة ما وراءها، وأثبتت الأيام أن ثمة أسبابا أخرى وراء هذا الأمر. الاستشراق المعاصر أو الدراسات الشرق أوسطية تحتفي ببعض منحرفي الفكر من أبناء المسلمين وترفع من شأنهم وتقدم لهم المناصب الرفيعة، ويدعون إلى تقديم المحاضر وتنشر كتبهم ومقالاتهم وأبحاثهم في كبريات المجلات ودور النشر الغربية، ويترأس هؤلاء جلسات المؤتمرات العلمية حتى إن الجمعية الدولية للدراسات الآسيوية والشمال إفريقية اختارت باحثاً عربياً نائباً للرئيس، ولم يكن اختياره إلا لأنه مبهر بالغرب معجب به موله. نحن بحاجة إلى معرفة عميقة بالدراسات العربية والإسلامية في الغرب التي لم يعد يطلق عليها مصطلح استشراق، نحن بحاجة إلى أن نرسل إليهم من أبنائنا الذين عرفوا الإسلام معرفة حقيقية، ووصلوا إلى درجة عالية من الاعتزاز به، كما أننا بحاجة إلى المشاركة في ندواتهم ومؤتمراتهم وحلقات البحث العلمي، ويجب أن نختار من العلماء والباحثين المسلمين من يجيد اللغات الغربية ليصل إليهم في أكبر تجمعاتهم الفكرية والثقافية، وأن يتحلى بالأدب القرآني في مجادلة أهل الكتاب، وللحقيقة أن القوم لديهم الاستعداد ليسمعوا الحق لو بذلنا نحن الجهد أن نصلهم. وأختم حديثي عن الاستشراق بالدعوة إلى أن ندرسهم وأن نتعمق في فهمهم ودراسة قضاياهم الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى اللاهوتية وعرفت أن بعض المعاهد اللاهوتية ترحب بباحثين مسلمين لدراسة الفكر اللاهوتي الغربي ألسنا أمة الشهادة، وكيف لنا أن نصل إلى الشهادة عليهم وعلى البشر أجمعين دون معرفة حقيقية فهل من مستجيب والحمد لله رب العالمين.
|
|
|
| |
|