| |
يارا القلم للبشر والأزميل للحجر عبدالله بن بخيت
|
|
لأول مرة في حياتي ككاتب أشعر أن القضايا تفر مني. كنت أسمع أن هناك بعض الزملاء يواجهون صعوبة في بعض الأحيان في إيجاد موضوع يمكن الكتابة عنه. كنت أقول أكتب عن الشجر عن القمر عن الهلال عن اليسا عن الخبز عن الكرسي. كل شيء في هذا العالم موضوع للكتابة. أكتب قصة أكتب قصيدة أكتب نقداً أكتب خواطر. تستطيع أن تكتب دون توقف. لن يعوقك عن الكتابة واختراع المواضيع سوى إحساس صغير ينشط في داخلك كلما فكرت في الكتابة. هذا الإحساس ليس ضميرك ولكنه يتصل بضميرك ويشغله ويوفر له الوقود. يمكن تلخيصه في السؤال: هل أنت فوق المواضيع أم أسيرها؟. علمونا في كتب السياسة أن الحرية رهينة في يد الآخرين علينا أن ننتزعها إذا أردنا أن نصبح كُتَّاباً. كنت أرجو دائماً أن هذا غير صحيح وفي أحسن الأحوال صحيح جزئياً. كنت أكتب طوال سنوات (زاوية يارا) بإملاء من هذا الشعور. خلال نهاية الأسبوع الماضي شعرت بالإحباط الشديد كأني فقدت التفاؤل. فقدت الإحساس بالمستقبل. أحسست أن الماضي أطل برأسه وألقى عليَّ نظرة تهديد حتى أني تخيلت العودة إلى الصفحات الثقافية المغلقة التي أقسمتُ يوماً ألا أعود إليها. داهمني إحساس أن نهاية كثير من الكتاب قد اقتربت. دخل شهر العسل صباح نهاره الأخير ودنت لحظة الانفصال. لم يكن الزواج باطلا ولكنه كان غير متكافئ النسب. هناك هوة كبيرة لا تردمها الأحلام والآمال والطموحات الجامحة. التمثال الجميل أصله من الحجر المتوحش الأصم لكن المسافة بينهما لم يغطها الفنان بالأحلام. يد الفنان الأنيقة لم تتردد في استخدام الأزميل القاسي حتى اضطر الحجر أن يخرج من توحشه الأصم ويقبل فضيلة الانتساب إلى الانسة والجمال. كل حادثة في العالم لها تفسيرات بعدد الذين يخوضون فيها. فالمرء يقرأ الأحداث بلغة تفاؤله وأحلامه أو تشاؤمه. إن أشد القراءات إحباطاً عندما تسطر الأحداث بلغة الخصوم. تكون التفسيرات قاتمة ومظلمة. يعود التمثال إلى أصله المتوحش. كتبت في هذه الزاوية تنويعة كبيرة من المواضيع. كتبت عن الحب، عن الكورة، عن السياسية.... يربطها جميعها إحساس بالحرية. أجلس أمام شاشة الجهاز وأترك لمزاجي وخيالي يقرران في تلك اللحظة ما أكتبه. التفت يميناً شمالاً وأقلب في ذاكرتي وأحاسيسي حتى أكتب السطر الأول وبعد ذلك أتفاهم مع الكلمات حتى أصل إلى الكلمة رقم ستمائة ليكون كل شيء قد أنجز. المواضيع تتقافز أمامي. كانت مشكلتي مع الانتقاء والوفرة. أحياناً أتمنى أن أكتب زاويتين في اليوم الواحد. كل يوم يزداد تفاؤلي. أرى العالم يتغير نحو الأفضل. سيأتي اليوم الذي أرى فيه سعودياً ينال جائزة نوبل ويقام في الرياض مهرجان السينماء العالمية والمباراة النهائية لكأس العالم تقام في استاد جازان الرياضي ومعرض جدة للكتاب ينافس معرض فرانكفورت الدولي. حاولت أن أكتب يارا يوم الأربعاء ولم أفلح فأجلت كتابتها. حاولت يوم الخميس. كانت المحاولة أكثر جدية مكثت أمام الشاشة أكثر من ساعة. كتبت ثلاثة أسطر مليئة بالمرارة فمحوتها وقررت أن أغلق الجهاز وأتصل بزميلي وصديقي الأستاذ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ. كان يعرف أني محبط، فسألني: هل كتبت شيئاً؟. فقلت له: لا، لم أكتب أي شيء. أعتقد أن كل شيء قد انتهى. القلم للبشر والأزميل للحجر.
yara4u2@hotmail.com |
|
|
| |
|