اللعن في مصطلحيه اللغوي والديني يعني الطرد والإبعاد من الرحمة، وهو كذلك في الشعر والشعور وعند كل من يملك الحس والذوق، والأدلة على ذلك كثيرة والشاهد القرآني خير حجة. وبما أننا نتحدث عن الشعر فالنابغة يخاطب النعمان بن المنذر قائلاً:
أتاني أبيت اللعن أنك لمتني |
وتلك التي أهتم منها وأنصب |
فنراه ينزه مخاطبه عن اللعن فجاهليته لم تجعله فجا في التخاطب والشواهد كثيرة أقربها الذائقة السليمة والأدب التخاطبي.
واللافت للنظر أن اللعن عند بعض الشعراء العاميين أصبح عنصراً مدحيا لا يقبلون إلا به وأفضلهم أكثرهم لعنا، فنجد شعراء الأمسيات والاصبوحات يستخدمون هذا الأسلوب المتقبل عندهم وعند جماهيرهم التي تقابل ذلك بعاصفة من التصفيق مصحوبة بزخات من الضحك التعجبي أو التهكمي أو المنتقل بالعدوى من الكرسي المجاور على قاعدة (أضحك مع اللي ضحك أو اضحك على المضحوك عليه) وهي قضية أخرى تحتاج إلى نقاش وتحليل كبيرين ليس هنا مجال البسط فيها. سأعود إلى اللعن مرة أخرى أعاذنا الله وإياكم منه استخداما وتقبلا حيث إنه محور الحديث، والسؤال العريض ليس لماذا اللعن؟ لكن ما هي دلالات هذا اللعن؟ خاصة إذا ما استخدم في قصيدة غزلية (هزلية) أي ليست وجدانية فالوجداني لا يلعن من يحب ولا يستجدي أحدا بصناعة المأساة أو استعطاف الأكف أو الإيهام بالجو الفرائحي الهزلي لأنه ليس لديه ما يغطيه من عيوب غالبا، ويجافي السطحية في كل شيء.
والملاحظ على كثير من اللعانين أنهم يتوجهون باللعن إلى محبوباتهم، والسؤال متى يتوجه المحب باللعن إلى من يحب؟
أعتقد أن الحب العذري أو العفيف يستحيل فيه اللعن وإن ورد مجازا، لكن الغزل الصريح المتمرد أو عابر الأفئدة أو محبة بنات الليل وما أكثرهن في (زمن حليمة) يبيح له هذا اللون مما يسمى الحب اللعن لأنه حب قابل للقسمة على أكثر من سرير!! لهذا يستحق هذا النوع من الحب اللعن لأنه حب خال من العفة والفطرة السليمة والخصوصية ولأنه حمى مستباح، لهذا لا يتورع الشاعر عن لعن تلك المرأة ومن خلفوها.
والنماذج كثيرة حتى أن بعضها يأتي في غير سياق موجب للعن إن قبل، كقول ابن الذيب ملعونة الخير (وبكائيات حامد زيد الاستنساخية (لعنبوك) وغيرهم كثير فهذا الجرب لم يترك أحدا وأكثر ما يدل على فساد الذوق عند الشاعر والمتلقي معا والإعلام المروج لهذا الإسفاف.
أعتقد أن أسباب اللعن ليست ببعيدة عن هذا التصور إن لم تكن هي خاصة عندما تدور القصيدة في فلك الغزل العفيف.
أخيرا ما المحبة الموجبة للعن إلا تلك، وكيف يجرؤ المحب على طرد محبيه من رحمته وهو محتاج له، لكن صناعة القناعات لم تعد خدعا سياسية بل أصبحت حبائل شيطانية تسويقية والشاعر يقول:
سالم الرويس /مملكة البحرين
Rouis22@hotmail.com |