| |
السفينة الغارقة وضحاياها الجدد فضل بن سعد البوعينين
|
|
بعد انهيار فبراير المشؤوم، أبدع رسام الكاريكاتور في الزميلة صحيفة الرياض الفنان (ربيع) في رسم مشهد سوق الأسهم السعودية.. عمد الفنان إلى تفريغ الرسم من كلماته الدالة على السوق، واستبدلها بكلمات السفر البحري. الرسم كان أوضح من أن تُطمس معانيه المذهلة بأسلوب التورية، أو الترميز. الكاريكاتور، لمن لم يسعده الحظ بمشاهدته، كان معنوناً بسؤال (من هو المسؤول؟).. هو رسم لسفينة بحرية غارقة، لا يظهر منها إلا قمة مؤخرتها؛ يقف عليها رجل (القبطان) وقد تحلى بعباءته البنية (مشلح) وغترته البيضاء، لم يُصِبه البلل، ولم يناله الجزع. وقف وهو يقول بكل ثقة وهدوء: (صغار المسافرين!! هم سبب غرق (السفينة). البحر كان مليئاً بالضحايا الذين لم يظهر منهم سوى أكفهم إشارة إلى طلبهم النجاة، إضافة إلى أسهم حمراء تغوص في البحر وأخرى خضراء تحاول النجاة، وهي إشارة واضحة إلى فكرة الكاريكاتور الرئيسة. نجا القبطان، وغرقت السفينة بمن فيها، ولا تزال، واستقرت الثروات والمدخرات في قاع البحر، تبحث عمن ينتشلها ويعيدها إلى أهليها. اتهام القبطان ل(صغار المسافرين) بأنهم السبب في غرق السفينة ذكرني بالعبّارة المصرية المشؤومة التي غرقت في عرض البحر، وكان أول الناجين منها قبطانها الذي اتهم المسافرين دون خجل بتسببهم في غرق سفينته لأنهم) صعدوا إلى السطح وتجمعوا في أحد جوانبها البعيدة عن أعمدة الدخان). القبطان لم يكن حريصاً على الضحايا بقدر حرصه على السفينة نفسها، وكأنه أراد أن يقول: ( كان من المفترض أن يلقي الركاب بأنفسهم في عرض البحر، أو أن يبقوا وسط النيران بدلاً من التدافع إلى الأعلى والتسبب في غرق السفينة. مشهد السفينة الغارقة لا يكاد يفارق عيناي، أتذكره بتفاصيله المؤلمة كلما شاهدت أفواج الضحايا وهم يغرقون، يحاولون النجاة ولا يستطيعون. غرقت السفينة وغرق من فيها، وبقيت قمة مؤخرتها طافية على سطح البحر تبحث عن ضحايا جدد.. ضحايا متفائلين، يتشبثون بحبل النجاة الذي أحكموا ربطه هذه المرة في معصم ربانها الجديد. ولكن ماذا تراه فاعل؟.. فالمياه غطت معظم أجزاء السفينة، وأصابت محركاتها بالعطل التام؛ هو الغرق لا محالة، إلا أن يأتي الله بأمر كان مفعولاً. بقت مؤخرة السفينة الغارقة طعماً لطالبي النجاة من المفقودين، وقاعدة يقفز منها المحترفون، يغوصون في أعماق البحر ويستخرجون منها بعض الثروات، ثم يعودون من حيث أتوا، سالمين غانمين، يتضاحكون، ويتنادمون، ولا يشعرون بأرواح الغارقين وهي تخرج إلى السماء تخاصم وتختصم. نعود إلى سفينة (ربيع) الغارقة، على فرضية وجودها، ونتقدم إلى سلطات الموانئ باقتراحين بسيطين لمعالجة وضعها المحزن، معتقدين أن فيهما، بإذن الله، الخير الكثير.. الاقتراح الأول يتمثل في إنقاذ السفينة وانتشالها من عرض البحر، فوراً، وإعادة تأهيلها التأهيل المناسب الذي يكفل لها الإبحار الآمن. والاقتراح الثاني يهدف إلى إغراق الجزء المتبقي من السفينة -في وضعها الحالي- وإسكانها قاع البحر لإجراء صيانة شاملة لها قبل إطلاق عنانها للإبحار مرة أخرى، وبذلك تحقق سلطات الميناء فوائد لا حصر لها، ومنها؛ حماية الآخرين من خطرها المحدق، خصوصا الباحثين عن النجاة، أو الطامحين في استخراج الكنز المفقود؛ استخدامها كبيئة حاضنة للأسماك البحرية، ومركزا لتكاثرها خصوصا، أسماك الهامور؛ التخلص من مخلفات الحديد وحماية البيئة من شرورها؛ وآخر الفوائد المتوقعة من الإغراق هو، استخدامها كموقع مناسب لتعليم المبتدئين فن الغوص البحري.
f.albuainain@hotmail.com |
|
|
| |
|