| |
شيء من العجول محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
|
|
هناك مقولة منتشرة بين كثير ممن يعدون من المثقفين تقول: (إن الكتاب يُقرأ من عنوانه)!. ولا أدري مَنْ هو أول مَنْ قال هذه العبارة، إلا أنني أعتبرُها من المقولات المضللة، التي وإنْ قبلناها (مجازاً)، فلا يمكن قبولها البتة على أنها حقيقة. مثل هذه العبارة المضللة، تجدها أكثر ما تجدها لدى مَنْ يطغى على شخصياتهم، وتعاملهم، في شؤونهم الخاصة والعامة، (التسرع) والخفة والعجلة. فتراه يكتفي عن فهم الموضوع (بالعنوان)، وعن التمحيص والتدقيق (بالانطباع)، وعن (التأني) بإصدار الأحكام على عواهنها. مثل هذه النوعية من البشر يكون من السهولة بمكان تورطه، أو (توريطه)، باتخاذ مواقف تضعه محل (ندم) دائم؛ الأمر الذي يجعله يشعر، عندما يرى نفسه في مرآة الموضوعية أنه قد وضع (مقامه) ومكانته في محل لا يليق به، ولا يدل على رزانته وحصافته، في حين أن (الرزانة) والتروي هما دائماً وأبداً من سمات العقلاء، وأهل الفضل والعقل والمكانة العالية. وكان العرب يقولون في الثناء على الرجال: (إنه لذو أناة ورفق وذو وقار وحلم). و(لا يجتمع الوقور والعجول إلا إذا التقى سهيل بالثريا). ولأننا نتحدث في هذه العجالة عن أولئك الذين يقرؤون (العناوين)، ويكتفون بها عن فهم الموضوع، وبالقراءة المتعجلة عن القراءة المتعمقة، فإن ثمة قصصاً يمتلئ بها تاريخنا عن ذلك (العجول) الذي زرع العجلة فحصد منها الندامة؛ أو آخر وجد نفسه في مكانة هو قبل الآخرين يراها (أكبر) منه، وأعلى منه شأناً، فبدلاً من أن يسعى إلى الرفع من مقامه، بالمواقف المتزنة، وتعويض (النقص) الذي يجده في شخصيته، وفي قدراته، و(الفراغ) الذي كان يجب أن يسده، بالمزيد من العلم والمعرفة والتروي، راح يتخبط دون أي قدر ولو ضئيلاً من التفكير والحذر والكياسة.. والرجل العجول إذا أراد أن يضر الآخر، أو يسيء إليه، تجده يضر بذاته، عندما يضعها وبمجانية، في (بؤرة الاتهام)، فيسيء لنفسه دون أن يعي، ويكشف عن أنه أقل وبكثير من المكانة التي وُضِعَ فيها، وعادةً ما يجره مَنْ حوله إلى مواقف لا يليق بمثله أن يقع فيها، ولا تتحملها - البتة - رؤية الناس إليه وعشمهم فيه. والرجل ذو الشخصية المتسرعة يكشف نفسه دائماً، حتى ولو حاول التأني وتقمَّص (التؤدة). فتراه إذا كان يشعر بنقص، وحل في محل أكبر منه، يستعجل (القيمة)، ويجد في (أقرانه)، أو مَنْ يراهم أعلى منه شأناً، (منافسين دائمين)، فترى تصرفاته وقراراته وأقواله غالباً ما تأتي (كردود أفعال)، أو (مزايدة) على مواقف الآخرين وتصرفاتهم؛ فهو دائماً ما (ينجر) إلى المواقف، ليس عن قناعة منه، ولا نتيجة لرؤية مستقلة، وإنما يريد أن (ينافس) الآخرين ممن يشعر في أعماقه أنهم (أعلى) منه منزلةً وقدراً ومكانةً، فتراه (يصعد) إذا صعدوا، و(يتمسكن) إذا تمسكنوا. ليجد نفسه، أو يجده الآخرون، عند التحليل، كالقشة عند هبوب العاصفة، تتقاذفها الريح يمنةً ويسرة، ولا يعلم أحد أين ستحط بها العاصفة في نهاية المطاف. ولي (صديق)، أسأل الله أنْ يَمُنَّ عليه بالهداية و(الركادة)، وجد نفسه، فجأة أنه (مهم)، وفي منصب لم يكن يحلم به في السابق من الأيام.. نصحه المقربون منه، والعارفون بتدني قدراته، والمشفقون عليه، بأن مكانته التي احتلها مؤخراً، والمقام الذي وصل إليه، تتطلب منه توخي اليقظة والهدوء والتدرّع بالرصانة، والابتعاد عن (العجلة) التي هي من أهم عيوبه، وعدم (التسرع) في اتخاذ المواقف، وأنَّ هناك كماً من المتسلقين، وأصحاب الأغراض والنوايا السيئة، سيستغلون (اندفاعه)، وسيوظفونه (لديهم) دون أن يشعر، لتحقيق أهدافهم ومآربهم للوصول إلى غاياتهم، الأمر الذي يجعل الحيطة والحذر هي شرط الضرورة (للبقاء) في مكانته الجديدة، واستقطاب احترام الناس له.. حاولَ في البداية، غير أنه (خار) في النهاية، فاكتشفتُ حكمة المثل الذي يقول: (الطبع يغلب التطبع)! وله أقول: أيها الحبيب الطيّب، تأكد ثم تأكد، أن قيمتك تنبع من قدرتك على قراءة اللحظة التي تمر بها قراءةً تستوعب التغيّر، وتواكب المستجدات، فتتماهى معها، وتنسجم مع متطلباتها، دون إفراط أو تفريط. إنها معادلة النجاح دائماً وأبداً، ومعجزة التفوق. دون ذلك سيجرك الآخرون، وبالذات (منافسوك)، وكذلك مَنْ يدعون أنك تهمهم مكانةً وقدراً، خاصة المحيطين بك من صغار السن، إلى مواقف ستكون أنت لا هم، أول مَنْ يلعق بسببها مرارة الندم.
|
|
|
| |
|