| |
الخميس 30 ذي القعدة 1392هـ - الموافق 4 يناير 1973م - العدد (493) الدور الحضاري لشرقي جزيرة العرب بقلم الدكتور - عبد الله آل مبارك
|
|
هذا الجانب الشرقي من الجزيرة العربية هو بموقعه الفريد ذو صلة قديمة بمراكز الازدهار الفني في تاريخ العرب كله، وهي المراكز التي قامت في داخل الجزيرة والشام والعراق. ويعد الخليج العربي نافذة استراتيجية هامة تطل منها أجزاء من عالم العرب على العالم وحضاراته، فهو المدخل البحري الكبير لجزيرة العرب بل ولبلاد العرب من الشرق، ولقد كانت له أهميته منذ فجر التاريخ حيث كان ملتقى الكثير من الحضارات الإنسانية والوفود البشرية وذلك لتوسطه بين العالم القديم. ويرتبط هذا الجزء الشرقي من المملكة العربية السعودية بما جاوره ارتباط مودة وإخاء يسند ذلك عوامل جغرافية واجتماعية وإنسانية وحضارية سابقة، فكل هذا الجانب على ساحل واحد وأهله عرب تجمتعهم العقيدة ويؤاخي بينهم الإسلام فتتشابه عاداتهم وتشتبك أخطارهم ومصالحهم، وحتى في القديم فإن الآثار التي اكتشفت أخيراً في الكويت وشرقي المملكة العربية السعودية والبحرين وقطر وأبوظبي، في فيلكا وجاوان وتاروت وباربار وجبل الدخان وفي الحملة وراس عوينات وجزيرة أم النار، تفصح عن تجانس في العرف والتقاليد الاجتماعية منذ ثلاثة آلاف سنة أو أكثر. والبعثة الدانماركية التي قامت بالتنقيب عن الآثار في الكويت والبحرين تعي تاريخ بعض الآثار والمقابر التي اكتشفت أخيراً إلى ما قبل ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد بل إن من الآثار ما يرجع في تاريخه إلى ما بين 20 وخمسين ألف سنة خلت. وإذا صح هذا التقدير فهو يؤيد من يقول بأن حضارة عريقة في القديم عاشها الإنسان على هذه الديار. ووجود البترول بكثرة على طول هذا الساحل إلى جانب النظرية الجيولوجية المعروفة في أسباب وجود البترول تؤيد المنقبين الدانمرك وغيرهم فيما ذهبوا إليه من عراقة الحضارة الإنسانية على هذه الأرض. ثم إن الاكتشافات الأثرية في جزيرة فيلكا وحدها تفصح عن أمور على جانب عظيم من الأهمية فيما يتصل بالحضارة الهيلينية في شرق الجزيرة، ففن المعمار اليوناني بأنماطه المعروفة يظهر على شكل مدرسة محلية للبناء بهذه الجزيرة في الخليج. والحق أن من يحاول تتبع الآثار ومظاهر الحضارة السابقة وسير القوافل البشرية على هذه الأرض يجد نفسه بين معالم كثيرة من الآثار ويدهش لما يرويه بعض المؤرخين من عرب ومستشرقين عن مملكة (دلمون والجرهاء والخط والعروض وهجر) إلى غير ذلك من الأخبار التي تقول إن سكان هذه الديار هم مصدر الحضارة الفينيقية مما رواه هيرودوس واسترابون وبطليموس وغيرهم وسنفرغ لدراسة كل ما ورد عن هذه الديار. إلاّ أنّ مما لا شك فيه ان هذا الخليج بحكم موقعه الاستراتيجي العام في العالم القديم كان ملتقى كثير من الأمم التي وثقت صلاتها بهذه الديار وفقاً لأوضاع التاريخ القديم في نقل الأفكار والمبادئ والقيم وأساليب الحياة الاجتماعية إلى غير ذلك مما تأخذه الشعوب عن بعضها إذا اتصلت وسائلها ومنافعها.
|
|
|
| |
|