| |
نوافذ ماذا سيقولون..؟ أميمة الخميس
|
|
تذكر نظريات علم النفس الخاصة بتحليل الوعي الإدراكي في المراحل الباكرة للطفولة أن الطفل في مرحلة ما قبل السنتين، حينما يختفي من مجاله البصري شخص أو شيء فإن هذا الاختفاء يعني له أن هذا الشخص قد تلاشى وانتهى، ونتيجة للقصور الإدراكي في سن الطفولة فهو يفسر عدم رؤيته له على أنه زوال تام. ولعل هذا القصور الإدراكي هو الذي يعاني منه البعض حولنا فيما يتعلق بالكثير من الإشكاليات الاجتماعية التي تتم نتيجة للحراك الاجتماعي المطرد في علاقتنا بالمتغيرات الداخلية أو تلك التي تتعلق بعالم يسير بخطى حثيثة باتجاه العولمة من حولنا. فهم يتعاملون مع هذه الإشكاليات على أنها طالما هي غير واضحة أو بارزة أو موجودة في المجال البصري.. إذاً هي غير موجودة، وما من داع لمناقشتها أو تحريكها أو جلبها لدائرة الضوء والنقاش. لا أدري من هم الذين يمثلون مصدر قلق وتوتر للذين يخشون النقد أو تحديدا ثقافة النقد، سواء تلك التي تكون في مقال لكاتب أو برنامج أو رواية كاشفة لبعض مما يدور في مجتمع بشري خاضع لجميع أشكال التعددية والتنوع والقصور؟.. وأحد الأعذار التي يسوقونها هنا هي: ماذا سيقول العالم عنا؟ وكيف نلجأ إلى نشر غسيلنا أمام الجميع؟.. وكأننا هنا نتناسى أن لدينا ما يقارب خمسة ملايين أجنبي، بداخل رأس كل واحد منهم عينان قادرتان على الملاحظة والمتابعة والتفسير ولربما الاستنتاج، ويتناسون أن هناك الملايين التي تؤم مدننا المقدسة وقادرة على الاطلاع على المشهد بقرب بجميع تفاصيله، إضافة إلى الذين يأتون بزيارات أو دعوات ضمن أنشطة مختلفة؟. لذا فتلك (الفوبيا) التي يعاني منها البعض من عملية مناقشة مثالبنا وعيوبنا تتقاطع مع مسيرة لا بد أن تمهد لها الطرق وترمم في تقصي مواضع الفجوات والثغرات؛ لأن ساعة واحدة تستطيع أن تجلسها أمام جهاز الإنترنت باستطاعتها أن تنقل لك بانوراما كاملة لما يجرى في هذا العالم بالتفاصيل. والأمر الوحيد الذي سيعكسه عمل فني يناقش الأمور الداخلية ويفتقها، أو مسلسل يسلط الأضواء على المناطق التي كانت ولدهور مكهربة بالمحاذير أننا شعب صحي وقوي ويرغب في التطور من خلال قدرته على تسليط الضوء على عيوبه، أن العالم المتحضر بالتأكيد سيحترم سقوف الحرية التي وصلنا لها، سيقدر المناخ الآمن الذي نستطيع به مناقشة نقائصنا وعيوبنا، بالتأكيد العالم سيحترم طاولة التشريح التي نقوم بها بتأمل جروحنا وأورامنا والبحث عن الطبيب والطبابة. إنها بالتأكيد مؤشرات صحة وعافية، ومجتمع قادر على مناقشة مواطن قصوره بصوت مرتفع يصل إلى جميع المناطق الدامسة. أما قضية الغسيل المتسخ الذي يلوح بها البعض فبالتأكيد الأفضل أن يساق هذا الغسيل إلى الضوء والشمس والهواء، بدلا من أن يظل متواريا في الأقبية المظلمة.. فحين يختفي الأمر عن مجال البصر لا يعني هذا أنه غير موجود.
|
|
|
| |
|