| |
ما بين منطق التكفير وثقافة التقوقع د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم
|
|
كيف توصل البعض من المتنطعين والمغالين إلى حد منح الذات حق تكفير الآخرين وإخراجهم من دينهم والحكم عليهم بأحكام جائرة وحاقدة لا تتورع عن إهدار الدماء بكل الوسائل والطرق حتى بتحليل العمليات الإرهابية ضد الآخرين؟. السؤال السابق لا يقل أهمية عن السؤال: هل حقاً أن فكر التكفير نتاج للثقافة الرجعية التي نتجت عن ثقافة التقوقع والرفض؟، ولا يقل أيضاً عن السؤال: هل يمكن القول إن الثقافة الرجعية التي يؤمن بها فكر التكفير وفكر الإرهاب نتاج لمرور جزء من أفراد المجتمع في مرحلة تخلخل وانعدام في الوزن الفكري؟. بل وترتبط تلك الأسئلة بالسؤال: هل حقاً أن مرحلة التخلخل حدثت بفعل حركة خمول وسكون اجتماعي عنيفة رفضت الواقع الجديد وأرادت الحفاظ على الوضع الاجتماعي والثقافي المتجمد الذي مضى والتشبث به بل وطالبت العودة للوراء والتراجع إلى حقب من الماضي البعيد؟. هذه الأسئلة من الأسئلة التي يقف المجتمع الإسلامي كله أمامها منذ مدة طويلة لا يحرك ساكناً، فيما استمر ركب من الحركة الفكرية المتنطعة في التراجع إلى الوراء رافضة كل ما هو جديد وحديث، ومستنكرة لكل ما هو عصري معاصر أياً كان ومهما كانت أهميته. سبب السكون وعدم التحرك الفكري في العالم الإسلامي أفضت إلى تحجر وتطرف فكري بعد أن أعتقد البعض من المسلمين بأن الانتظار لحين مرور العاصفة أهم من محاولة تفاديها أو على الأقل التحصن منها. فيما أعتقد آخرون أن ضخ جرعات ضخمة من المهدئات الفكرية، أو المسكنات العقائدية لكفيلة، مع عامل الوقت، بالقضاء على هذه الظاهرة الإنسانية العقائدية الخطيرة. بل وذهب آخرون إلى الاعتقاد بأن ركوب الموج أفضل من مواجهته، كما وأن البقاء في وضع الجذر، الذي قد يتمخض عن حركة المد، من أخطر ما يمكن أن تتعرض له مؤسساتهم العقائدية. لذلك كان لابد لهؤلاء من استخدام سلاح الرفض القاطع (حتى سلاح التكفير) ضد كل من يتجرأ أو يحاول المساس بفكر الماضي أو بالمعتقدات التي لم تعد صالحة لا للزمان ولا للإنسان بعد أن ثبت أنها تتعارض تماماً مع منطق التطور والتغير الإنساني والبيئي. لكن بعد أن تنامت حدة التكفير للآخرين وتصاعدت مخاطرة لتطول قواعد وأسس الأمن على مستوى الدول الإسلامية، والأمن الإسلامي والعربي على المستوى الإسلامي والعربي، بل وحتى تطاولت على الأمن العالمي، بدأت العقول الإنسانية المعتدلة تفكر وتعمل، فيما بدأت الهمم تنشط وتتحرك. كيف لا والخطر الإرهابي الذي تمخض عن فكر الإرهاب وعن عقلية الرفض قلب جميع الموازين والأوضاع رأساً على عقب، وأعاد القراءة في جميع الحسابات العربية والإسلامية أياً كانت. لقد ثبت قطعاً أن فكر الإرهاب مرتبط بعمليات الإرهاب ضد العالم العربي والإسلامي، وإن عمليات الإرهاب نتاج للتنطع والغلو في الدين الذي يؤدي إلى التشدد ومن ثم التطرف في الفكر والمسلك. والحال الأخير يعني فرض حتمية المواجهة الدموية مع من يختلف أو يعترض مع ذلك الفكر والتوجه الأحادي الضيق. إذ من المعلوم أن فكر التكفير ينطلق من منظور فردي ضيق جداً، وينبثق عن رؤية شخصية قاصرة في المدى محدودة في البصيرة، لا يمكن أن يتقبل الآراء والأفكار والتصورات والطروحات الأخرى المغايرة له أو المختلفة عنه بتحريض من مصالح تدفعه لتحقيق استقراره المؤقت عن طريق تصفية كل من يعترض عليه أو يختلف معه. من هنا بدأت قعقعة الحوارات الشفهية (على كافة المستويات في العالم العربي والإسلامي) تشق طريقها بصعوبة على الرغم من وجود البعض ممن لا يرتاحون لها، أو ممن يشككون فيها، بل وفي وجود البعض ممن تتعارض منظومة الحوار بين الحضارات والثقافات والفئات والمذاهب مع شخصيتهم المتطرفة، ومع توجهاتهم الأحادية المتحجرة. وأخيراً مع وجود البعض ممن تمثل لغة الحوار والتفاهم تهديداً مباشراً لمكتسباتهم الشخصية والوظيفية، أو لوجودهم القائم على ثقافة الفرد وأحادية الحوار. إن قعقعة الحوار الإسلامي الغربي على الساحة الخارجية، والحوار الإسلامي الإسلامي على مستوى الساحة الداخلية الإسلامية لأكثر مضاء وفاعلية من قعقعة السلاح ولغة العنف والدمار التي فشلت في تحقيق أي من أهداف الأمتين العربية والإسلامية لأكثر من نصف قرن من الزمن. لقد آن الأوان لتصويب الفكر والسلوك الإسلامي ليمشي في مسار الحوار الإنساني الحضاري وليمضي في ركاب الانفتاح المرن الواعي على حضارات وثقافات المجتمعات الأخرى. الفرق بالطبع بين قعقعة الكلمة والحوار وقعقعة الإرهاب لكبير جداً وضخم بل ومتضخم سواء في الوسيلة أو الغاية خصوصاً في النتائج التي تتمخض عن حوار اللغتين المتنافرتين.
|
|
|
| |
|