تباينت ردود الأفعال التي وصلتني حول مقالٍ سابقٍ احتوته هذه المساحة من زاوية دفق قلم عن موضوع كفاءة النسب في الزواج، ولكنها اتفقت على أن طرح الموضوع كان موضوعياً هادئاً منصفاً، ولمست من كل من وصلني تفاعله مع هذا الموضوع من الإخوة والأخوات أنهم لا يعدلون بالحكم الشرعي الصحيح أيَّ حكمٍ آخر مهما كانت قيمة قائله، وسمعت من معظمهم قوله تعالى {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} وهذا شيء جميل يثلج الصدر، ويسعد القلب.
وقد وصلني أخيراً كتابٌ لم أكن قد اطلعت عليه من قبل للأخ د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي بعنوان (العصبية القبلية من المنظور الإسلامي) بعث به إليّ مشكوراً، ففرحت به لما رأيت فيه من الطرح الموضوعي المبني على الأدلة الشرعية الموثّقة، ولما فيه من الدراسات الميدانية التي أجراها المؤلف على عدد من الناس من عدد من شرائح المجتمع، ويكفي هذا الكتاب الذي يقع في حوالي مائة وثمانين صفحة من القطع المتوسط أنه قد حظي بتقديم من فضيلة الشيخ د.عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، وفضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع، وسعادة الأديب الشاعر عبد الله بن خميس، وهي مقدمات لها معناها وقيمتها الخاصة في موضوع شائك له آثاره في الحياة الاجتماعية في العالم العربي بصفة عامة، والجزيرة العربية بصفة خاصة، ولقد أشار إلى ذلك الشيخ عبدالله بن جبرين، قائلاً: (ولقد أحسن المؤلف فيما كتب، وجمع ما تيسّر له من أقوال العلماء، ومن الأدلة والأحكام والعلل في هذا الموضوع الذي تمكن في هذه البلاد، وظهرت له آثار سيئة، من الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والتمسك بالعادات المتلقّاة من الآباء والأجداد، وما يترتب عليها من التحزّب والتفرق، مع أن الشرع الشريف قد جعل الفخر والفضل بالعلم والدين والأدب، والأعمال الصالحة، فعسى أن يهتدي المسلمون، وأن يرجعوا إلى سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وذلك خير وأقوم، والله تعالى أعلم وأحكم).
كما أشار إلى ذلك الشيخ عبد الله المنيع قائلاً في تقديمه لهذا الكتاب: (لقد قرأت الكتاب فرأيت فيه دراسة تحليلية للطبقية البشرية داخل الجزيرة العربية وخارجها، ومدى ظلم الأقوياء للضعفاء، وكذا الاستهانة بهم، واحتقارهم، وغمْطِ حقوقهم، واعتبار التعامل معهم تدنياً عن المستوى.. وقد جاء المؤلف بمثالين من الجزيرة العربية، أحدهما: عن الطبقية في اليمن، والثاني: عن الطبقية في نجد.. وخلاصة القول: إن المؤلف وفق في تأليف هذا الكتاب القيِّم في معناه ومبناه، فهو دعوة صريحة إلى مقْت العصبية، وأنها من بقايا تقاليد الجاهلية).
كما أشار إلى ذلك الشاعر الأديب عبد الله بن خميس قائلاً: (بين أيدينا كتاب جديد في موضوعه وفي جرأته، وحساسية هذا الموضوع المهم وعدم تقبل الكثيرين له، فنحن أمة تؤثر فينا تقاليدنا، وموروثاتنا الاجتماعية وأعرافنا تأثيراً كبيراً، حسنها وسيئها فقد ورثنا إلى جانب المروءة والكرم والشجاعة - العصبية القبلية التي تكاد تعصف بكل موروثاتنا الحميدة الأخرى).
والكتاب يتناول موضوع العصبية القبلية بشيء من التفصيل المدعوم بالأدلة والشواهد والوقائع الثابتة من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، تضم ذلك كله فصول ثلاثة، تتخللها استبانات أجريت على عددٍ من الناس، تتضح فيها نتائج ذات دلالات قوية حول هذا الموضوع المهم، وقد أشار المؤلف إلى كتابٍ آخر نقل منه نقولاً مناسبة، وقد سبق لي الاطلاع عليه منذ زمنٍ ليس بالقريب، ألا وهو كتاب (قبيلة آدم، عن التربية والمجتمع) للأستاذ علي بن محمد العيسى، ومما يتميّز به الكتاب ما قام به المؤلف من التوثيق للأحاديث النبوية والأمثلة الواقعية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم المتعلقة بهذا الموضوع المهم.
تحية لمؤلف الكتاب د. خالد، وللعلماء الفضلاء الذين قدموه، ومزيداً من العطاء العلمي المفيد.
إشارة: