| |
نوافذ ترهُّل أميمة الخميس
|
|
كلّما كبر واتسع القطاع العام، بات أكثر بطأً وأقلّ فاعلية وإنتاجية، وأعجز عن مواكبة عصر سريع التبدُّل والتغيُّر، فالهيكليات التنظيمية المزدحمة والأنظمة الإدارية البائدة المكبَّلة بالبيروقراطية والمحسوبيات، هي إحدى المتاهات الرملية التي من الممكن أن تمتص بداخلها جميع المشاريع الهادفة إلى تفعيل الخطط التنموية في الدولة. محلياً نجد أنّ الكثير من القطاعات الحكومية لدينا عبارة عن هياكل ضخمة وكبيرة ومترامية، تكابد تراكمات أخطاء إدارية سابقة وعاجزة عن التخلُّص منها والخطو في برامج ومشاريع جديدة تستوعب الطفرة الثانية التي تعيشها المملكة. ولا أحد ينكر أنّ غالبية موظفي الدولة يكونون على مكاتبهم في تمام الثامنة صباحاً، ولكنّ السؤال عن فاعلية هذا التواجد وعن الإنتاجية طوال الست أو الثماني ساعات التي يتواجدون بها، يبدو هنا الأمر قضية أخرى. ومع غياب استراتيجيات وأهداف واضحة لكلِّ قطاع على حدة، ومعه غياب التنسيق والتعاون في خطط تنموية إبداعية وقافزة على الروتين الإداري، سنجد أنّ الإنتاجية تتقلَّص إلى حدِّها الأدنى، لتصبح الميزانيات المهولة التي تنفقها الدولة على بعض القطاعات تصبُّ في أرض رملية غير مثمرة أو خصبة، وغير قادرة على الاستجابة السريعة للتسلسل الزمني للخطط والأهداف (هذا إنْ كان هناك أيٌّ من الخطط والأهداف). القطاع العام على الرغم من أبعاده الإنسانية، وعلى الرغم من الاستقرار الوظيفي الذي من الممكن أن يوفِّره لموظف الدولة من خلال المرتب المضمون بعيداً عن الإنتاجية، لكنّه أيضاً مهلك فيما يتعلَّق باقتصاد الدولة الذي سيعاني من قلّة الإنتاجية مقارنة بساعات العمل، وسيعاني من النزيف في الوقت والأموال على حساب الخطط والوتيرة السريعة التي يسعى لها الاقتصاد المحلي للحاق بالركب العالمي، وبما أنّ اقتصادنا هو اقتصاد ريعي يقوم على مصدر الدخل الواحد، يصبح المرتب الشهري لموظف الدولة هنا نوعاً من أنواع الضمان الاجتماعي الذي تقدِّمه الدولة له. وكم من إداري نشيط ومخلص وطموح بات شبه مشلول، أو فلنقل مكبل في دهاليز الصادر والوارد والتراتب الوظيفي القاتل لكلِّ الطموحات. كان الاتحاد السوفيتي في يوم من الأيام من أقوى الدول في العالم، تلك الدولة التي كانت تمثِّل قطب التوازن في الصراع العالمي، ولكنّ الحكومة المركزية الطاغية، وهيمنة الحزب الواحد والقطاع العام، جعل اقتصادها شبه ميت وغير قادر على ملاحقة اقتصاد العالم النشط الطموح الوثّاب، وكانت النهاية التي شهدها العالم والجدار الحديدي يتهاوى، والولايات الروسية التي تتفكّك وتستقل. الطفرة الثانية التي - أنعم الله بها علينا - أتت لنا في ظلِّ واقع يكابد أخطاءً إدارية جمّة صنعتها عهود سادت ثم بادت، وفي حالة صبّت في نفس الهياكل التنظيمية السابقة، سنؤول إلى نفس النتائج والثغرات، سواء فيما يتعلّق بمخرجات التعليم أو الصحة أو سواهما من الخدمات التي تئن من المشاكل. وللمقارنة لنلقِ نظرة سريعة فقط على قطاع الاتصالات (قبل وبعد) الخصخصة لنشهد الفرق الواسع في الخدمات ونوعها وزمانها وطريقة الأداء. الخطوات المطردة التي تنحو باتجاهها الدولة نحو الخصخصة ونحو تفعيل القطاع الخاص، هي طوق النجاة والبوصلة، ليصبح أهم شيء هنا هو منح رؤوس الأموال الثقة والأمن ... وجزءاً من القرار، فذلك وحده الذي سيقود اقتصادنا إلى مستقبل قوي ومتطوّر وقادر على تجاوز الكثير من عثراته.
|
|
|
| |
|