| |
يارا طاش عبدالله بن بخيت
|
|
تتكون الدراما من مجموعة من المفردات تشكل في مجملها عناصر تتضافر لتعطي الصورة الكاملة للعمل. من هذه المفردات: المكان والزمان واللغة واللهجة ومفردات المادة الاجتماعية التي ينطلق منها العمل. نشاهد مثلاً تمثيلية تجري أحداثها في الريف. لكي نعرف أنها تجري في الريف وأن أبطالها هم من الريف (سواء كانوا طيبين أو أشقياء) علينا أن نضعهم أمام الخلفيات الأساسية التي تعكس صورة الريف. مزارع، ومجاري مياه وبعض الدواب والبيت الطيني ومجموعة الأدوات التي يستخدمها الفلاح وعائلته في معاشهم اليومي. فضلاً عن الملابس وأساليب الكلام واللهجة باختصار كلما كثف المخرج من مفردات الريف كان عمله اجود وأرقى. فالعمل الدرامي هو حقيقة مموهة. يجب أن يبدو حقيقياً وهو ليس كذلك. قد تكون القصة ترجيدياً أو كوميدياً أو حتى أكشن. قصة حب أو جريمة أو إرهاب إلى ما لا نهاية من القصص التي يمكن أن تتناولها الدراما. لتمويه الحقيقة يفترض أن يحاط الشيء ببيئته وبمفردات معاشه. وعلى كاتب النص أن يكون أميناً في تصوير هذا الواقع. لو تخيلنا دراما تتحدث عن مطاردة البوليس لمجموعة إرهابية من أبناء الريف نفسه، هل يحق لأبناء الريف الاحتجاج بأن المسلسل يستخدم لغتهم ومشاهد قريتهم وديكورات بيوتهم ليصور المجرمين؟ هل يعد هذا العمل اتهاماً لأبناء الريف أو سخرية منهم أو من ثقافتهم أو من لغتهم. شاهدنا في طاش السخرية من رجل الأمن الذي لا يجيد أداء التحية ولا يجيد كيف يتخاطب مع الآخرين هل هذا اتهام لرجال الأمن بالجهل والسذاجة؟ شاهدنا في الأفلام الأمريكية صورة رجل الكونجرس وهو يرتشي ويغتصب هل هذا اتهام للسلطة التشريعية الأمريكية بأن أعضاءها مرتشون ومغتصبون؟ كثيرٌ من الأفلام التي تأخذ لندن مسرحاً لها تدور حول عصابات وسطو هل هذا يدل على أن لندن بلد العصابات واللصوص؟ شاهدنا باللهجة المصرية وفي المدن المصرية وبالبيئة المصرية وبخلفيات مصرية أفلاماً تصور الطغاة والمجرمين والمهربين هل هذا اتهام لمصر والمصريين وتشويه لسمعتهم؟ لماذا لم يحتج أحد عندما صور طاش رجل الأمن في صورة الرجل الساذج والجاهل؟ لماذا لم يحتج الكونجرس الأمريكي عندما صورت هيوليود بعض رجال الكونجرس مرتشين ومغتصبين؟ لماذا لم يحتج الشعب البريطاني عندما صورت السينما البريطانية لندن كمسرح للجرائم والتقاتل. لماذا سكت الشعب المصري على ما جاء في السينما المصرية؟ كيف نعبّر عن خلايا الإرهاب وعن أساليب عملهم إذا لم نعرضهم في بيئتهم؟ كيف نصور الرجال الذين يفرون من بيت الزوجية العفيف ليبحثوا عن اللذة في الأماكن المحرمة إذا لم نعرض هؤلاء وطريقة فرارهم والأماكن التي يرتادونها؟ استخدام البيئة الإسلامية أو شيء منها لإنتاج عمل ساخر لا يدين البيئة الإسلامية ولا يدين الفنان بل يدين هؤلاء المجرمين الذين ارتكبوا في الواقع جريمتين الأولى هي استخدام الدين ورموزه وطقوسه للتخفي والثانية هي أعمالهم الإجرامية نفسها. ذكرني النقد الموجه إلى طاش بحادثة جهيمان ماذا لو أن الحكومة ترددت في التصدي لجهيمان ورجاله تحت ذريعة أن القتال في مكة حرام! هل كان واجب الدولة وأجهزة الأمن أن تترك جهيمان ورفاقه يمنعون الناس من الصلاة في المسجد الحرام ويعيثون في بيت الله فساداً تحت ذريعة عدم القتال في البيت وهل من واجب رجال الأمن أن يمتنعوا عن إلقاء القبض على هؤلاء القتلة لأنهم يلبسون ملابس قصيرة ويطلقون لحاهم ويحوقلون مساءً وصباحاً ويمسكون بالقرآن الكريم. هل ارتكب التلفزيون السعودي جريمة عندما عرض صورة جهيمان ورفاقه بلباسهم القصير وبلحاهم الطويلة؟ إذا أردنا أن نصور الإرهابيين في المملكة هل نلبسهم قبعات وندعهم يتكلمون باللغة الإنجليزية ونصورهم في الغابات الاستوائية حتى لا يبدو عملنا سخرية من الدين أو من المجتمع؟ أم أن المطلوب هو عدم نقد الإرهابيين والتعرض لهم والسخرية منهم؟ ونكتفي بالدعاء لهم بالهداية؟!
فاكس 4702164
yara4u2@hotmail.com |
|
|
| |
|