* للأستاذ عادل الغضبان مواهب كثيرة، تجلت في نتاجه الحافل نثراً وشعراً، فقد كان كاتباً مجيداً، وناقداً فاضلاً، وقصاصاً مبدعاً، وشاعراً عرف بالجودة والاتقان، ولكن أبرز نشاطه قد تجلى في مجلدات مجلة الكتاب، التي أشرف على إصدارها وتحريرها قرابة السنوات الثماني من سنة 1946م إلى سنة 1953م فسدت فراغاً كبيراً في مضمار تفوقها الأدبي والعلمي، لذلك رأيت أن يكون حديثي خاصاً بأثره البارز في تحرير هذه المجلة، وإنه لأثر عظيم..!
* ونعرف أن عادل الغضبان ولد في حلب سنة 1908م، إذ كان والده ضابطاً في مرسين التابعة لها ثم رحل إلى القاهرة، فتعلم بمعهد الآباء اليسوعيين، وعمل في مطبعة المعارف وما زال يترقى بها، حتى كان موضع استشارة صاحبها شفيق متري، وأسند إليه الإشراف على مجلة (الكتاب) حين صدرت سنة 1945م، وذاع اسمه في المحيط الأدبي فصار عضواً بالمجلس الأعلى للفنون والآداب، وأصدر عدة آثار شعرية ونثرية منها: مسرحية أحمس، وليلى العفيفة، ونجيب الحداد، ومن وحي الإسكندرية وهي (ملحمة شعرية طويلة)، ثم انتقل إلى الدار الآخرة سنة 1972م.
* ولكي نشير إلى مكانته الشعرية في عالم المسرح، فإننا نذكر أن مسرحية (أحمس الشعرية) نالت جائزة وزارة المعارف لموضوعها وصياغتها الفنية حيث تحدثت عن تحرير مصر من الهكسوس على يد البطل أحمس حديثاً لم يخالف حقائق التاريخ، مع إبداع شعري رائع في الحوار وتتابع الأحداث، ويكفي أن الشاعر الكبير خليل مطران قد خصها بقصيدة حافلة قال فيها:
أيها الشاعر الفتى عش وزدنا |
مُبدعات على توالي السنينا |
وليكن فوزك العتيد للما يتلو |
سقت فيه (طرد الرعاة) مساقاً |
زاد جيد البيان عقداً ثمينا |
وبعثت الأشخاص بعثاً جديداً |
وسبكت الأغراض سبكاً رصينا |
مثل ما تشتهي المنى أن يكونا |
لى فما الظن باللواتي يلينا |
* أما مجلة (الكتاب) التي قام على إبداعها عادل الغضبان؛ فهي مجلة راقية تمثل الثقافة العربية الأصيلة، وقد ظهرت عند ظهور مجلة الكاتب المصري التي كانت تنقل آثار الغرب لتمثل جانباً آخر من الجانب المعاصر، فاستطاعت مجلة (الكتاب) أن تأخذ مكانها المطمئن بين مجلات رائعة ممتازة كالرسالة التي كان يحررها الأديب الكبير أحمد حسن الزيات رحمه الله، والثقافة التي كان يحررها الكاتب الكبير أحمد أمين رحمه الله، والهلال التي كان يقف على تحريرها حينئذٍ الدكتور أحمد زكي قبل صدور مجلة العربي، والمقتطف التي كان يحررها فؤاد صروف، والكاتب المصري؛ التي كان يحررها الدكتور طه حسين، وإن مجلة تقف في الصف الأول مع هذه المجلات لتجعل من المشرف على تحريرها علماً من الأعلام يوازي هؤلاء الذين تقدم ذكرهم من الأعلام.
* والحديث عن المجلة (الكتاب) ذات المجلدات التي كونت مكتبة عربية حافلة، يحتاج إلى مجلد ضخم لا إلى محاضرة أو مقالة، لذلك رأيت أن أكتفى بالحديث عن المجلد الأول الصادر في ستة أجزاء من أجزاء المجلة، لأنه رسم الخطة التي سارت عليها المجلة منذ خرجت على الوجود إلى أن توارت بالحجاب لظروف قاهرة قد احتجبت معها جميع المجلات الأدبية التي تقدم ذكرها جميعاً، والأمر لله من قبل ومن بعد.
* إن المجلد الأول الذي بدأ في نوفمبر سنة 1945م، وانتهى في إبريل سنة 1946م، ويقع في تسعمائة وثماني وعشرين من الصفحات، ليعطي صورة صحيحة من المجلدات التي تلته، إذ كان براعة استهلال ممتازة، وتبويبه، واختيار موضوعاته، وتسلسل فنونه مما يقدم المثل الراقي للصحافة الأدبية الممتازة، وسأحاول عرض ما يبرز اتجاه عادل الغضبان في هذا الميدان، وهو اتجاه انفرد به بين النظراء.
* محاضرة، ألقيت في مركز الجاسر الثقافي بتاريخ 27-4-1427هـ
|