| |
بعث (صناعة الأفكار) من جديد (2) د.زيد المحيميد/عميد الكلية التقنية الزراعية ببريدة
|
|
ذكرنا في المقالة السابقة كيف بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنسانية حياة جديدة، وعمد إلى الذخائر البشرية وحولها من المواد الخام لا يدرك أحد قيمتها، وقد أضاعتها الجاهلية والكفر والإخلاد إلى الأرض، فحرك تلك الأمة إلى الإيمان والعقيدة بإعمار العقول، فأثار من دفائنها وأشعل مواهبها لتنطلق إلى مصاف الدول المتقدمة في ذلك الوقت، ومن الأمثلة التي عملها الرسول الكريم التي تؤكد ممارسة هذا النهج من صناعة الأفكار صوت النداء في الصلاة، فكان من الممكن أن يقتبس المجتمع المسلم صوت الأجراس في النداء كما يفعل المجتمع المسيحي، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قد اختار طريقة أفضل وهي (الصوت الإنساني)، فنشأت حينئذ وظيفة المؤذن، فتحررنا من الوصاية الأجنبية بهذا العمل، ومن استيراد الأجراس من الخارج. وهناك أمثلة أخرى تؤكد على المعنى السابق فعندما تخرج عمر الفاروق الإنسان الذي كان يرعى الإبل لأبيه الخطاب والذي كان ينهره، ويعبد الحجر، وكان من أشد قريش جلادة وصرامة، عندما تخرج كأحد أنبه الطلاب في المدرسة النبوية الشريفة مستفيداً من مبادئ التفكير الإستراتيجي التي تغذي خزانات الأفكار، إذا به يفاجئ العالم بعبقريته وعصاميته وقدرته على صناعة الأفكار، فأسس دولة إسلامية كبرى بدون وصاية وتبعية لأي أمة من الأمم بعدما تخرج من مدرسة الرسول الكريم التي تولد (خزانات الأفكار) بجودة عالية والتي من شأن تلك الخزانات الفكرية الإستراتيجية أن تصمد عند أي أزمة تعصف بالمجتمع، فتحركت الأمة الإسلامية من خلالها في اتجاه البناء الصحيح. وعلى هذا المنوال فبعض المفكرين والأكاديميين لدينا لديه قابلية وأحياناً قدرة كبيرة في صناعة وتوليد الأفكار، على أن المأساة الكبرى هي أن الكثيرين منهم يقومون بتخزين هذه الثروة أو يتصرفون بها ببخل شديد، بل ماهو أسوأ من ذلك إن بعضهم لا يدركون أنهم يملكونها أصلاً لينتج من هذا كله مؤشر خطير يفتك بالحضارة الإنسانية وبالمجتمع الا وهو (فقر الأفكار) والذي يعد مؤشراً على جفاف خزانات الأفكار أو عدم تغذيتها بالجديد، ومن العوامل التي تؤدي إلى فقر الأفكار في المجتمع ما يلي: - الانغلاق الفكري لدى البعض، ووجود مستوى متدن جداً من التحصيل المعرفي لدى البعض الآخر. - قلة مراكز الأبحاث والدراسات الفعالة في الجامعات، وركود كثير من الأكاديميين من تقديم أبحاث مميزة وبالتالي نشرها في مجلات علمية محترمة. - بعض المسلسلات الفنية ذات الشعبية الجماهيرية الكبيرة وطريقة معالجتها بعض الأزمات التي تعصف بمجتمعنا بنظرة سطحية، وساذجة دون استشارة بعض المراكز المتخصصة والتي لها رؤية إستراتيجية وطنية واضحة، وأحياناً -للأسف- يتم التركيز على النواحي السلبية بحيث تسيء للمجتمع وتظهره في أسوأ صورة. - المحطات الفضائية التي بدأ بعضها بنشر الرذيلة بالمجتمع المسلم عن طريق عرض الأفلام والمسلسلات الهابطة التي تهدف إلى مسخ الهوية الإسلامية، وبعض المحطات الفضائية تكمن شهرتها - فقط - بالأناشيد والقصائد النبطية والرحلات البرية والتعريف بالمُنشدين. - كثرة النقاشات والمنازعات التي لها صبغة دينية من بعض النُخب في المجتمع والتي برزت إلى السطح في الجرائد مؤخراً، ومثال على ذلك المقالات التي تعد بالعشرات في مختلف الصحف المحلية حول رؤية هلال رمضان لهذا العام، ففريق منهم يرى برؤية ووجهة نظر علمية ومنهجية واضحة والآخر بنظرة شرعية بحتة، ومنهم من يرى التعامل بكلتا الحالتين العلمية التخصصية والشرعية عن طريق لجنة منبثقة ورسمية من قبل الدولة حرسها الله. - الاستسلام لدى بعض النخب الفكرية واليأس والانسحاب من التعايش الفكري في المجتمع لأي سبب من الأسباب. - انتشار الأمية لدى كثير من الآباء والأمهات. كل تلك الأسباب وغيرها من شأنها لو عولجت لأسهمت في إيجاد شروط التفاعل والتقدم الحضاري وتفعيل سنن الله في التغيير في نهضة أي مجتمع، ولا عجب أن نرى نظرة الغربيين وبعض أبناء الشرق من العرب المفكرين - للأسف - لمجتمعاتنا العربية في إطار ذلك المؤشر - فقر الأفكار - المظلم بأنها تعاني من الدونية في مواجهة التفوق الغربي، وتلك الدونية بنظرتهم الضيقة - لها ما يدعمها في التراث والتاريخ العربي.
zeidlolo@hotmail.com |
|
|
| |
|