| |
وعلامات من أدب الرسائل! 3-3 عبدالفتاح أبو مدين
|
|
إن ترسّل الكاتب والشاعر الكبير حمزة شحاتة رحمه الله، صاغه جوهرجي ماهر، استخرجها من خلال غوصه وراء كنوز وثروات كثيرة من معطيات الحياة العامة.. وهذه الثروة زاد رجل نبعه لا يقدر بثمن لأي ممتلك؛ لأنها قيمة حقة، وهبة المعطي سبحانه وتعالى، الذي يمنح مختلف الهبات كما يعطي الهبات، وليس المال وحده هو المعطى، وإنما ثم ما هو أكثر ترى في الحياة، اختص الله بها بعض عباده، ليكونوا متميزين بذلك عمن سواهم.. * وفي أكثر الحالات لا ينالهم المال، ولكنهم ينالهم ما هو أبقى من الدينار، وقديماً قال قائلهم: (حنانيك إن المال غاد ورائح).. ويبقى الذكر الحسن، والأدب الرفيع جمال وثروة أغلى من الجواهر، وربما قال بعض الناس فيما يشبه السخرية، إن الكاتبين الجياد يتصبرون ويسلون أنفسهم بهذا القول، لأنهم لم ينالوا حظوة المال، وحقاً إن المال حظوة إذا شكر المنعم به، وكان فيه أو كان بيد سخية تعطي ملهوفاً وذا حاجة وأسيراً إلخ، أما أن يكون للاكتناز والتظاهر به فلا قيمة له، وقد يكون وبالاً على صاحبه وتهلكة.. * وهذه الرسائل لأديبنا الكبير شحاتة، رغم أنها شخصية وتتحدث عن شؤون حياتية عاجلة، إلا أنها تعد من رسائل البلغاء، ولو خصها بالجانب الأدبي، لشابهت رسائل البلغاء التي جمعها وحققها، الأستاذ الرائد الكاتب البليغ -محمد كردعلي- رحمه الله، ومع ذلك تظل رسائل أديبنا الكبير حمزة شحاتة قطعاً أدبية ثمينة، وإن عنت بالحياة وهمومها وشؤونها، والأدب لصيق الحياة وصورة لها، وإلا ما كان إلا خيالاً وتهويماً وأحلاماً.. * وشاعرنا الكبير حمزة شحاتة، وقد قلت خلال وقفات سابقة إنه ظلمه عصره، وأؤكد اليوم أني لم أبالغ، ولم أعد الواقع.. وكم تمنيت أن تبقى تلك الثروة الفكرية التي ذهبت أدراج الرياح، لأن صاحبها أدركه اليأس، فمزقها، لتغيب إلى الأبد.. * ونقرأ في ص (101)، رسالة من حمزة شحاتة إلى محمد عمر توفيق، عنوانها: (عاقبة الدس)، قال في مطلعها: (ليست الخمسون سناً ملائمة لاحتراف الكتابة في الصحف!.. هذا ما انتهت إليه عندما تلقيت اقتراحك.. وما أزال حتى الآن متردداً في اختيار ما أقوله لك لأتفادى المسألة.. مسألة أن أكتب بأجر، لا إيثاراً للهواية على الاحتراف، ولكن هربا من الالتزام (.. ثم يقول: (لقد هجرت الكتابة أربعة عشر عاماً، حتى القراءة الجادة يا صديقي سقطت فيما سقط من حياتي واهتماماتي، نتيجة لتوفر الصوارف وعوامل الاستغراق.. فعسى أن يصرفك ما أصبت عما تريد).. * اعتذارات في هذه الرسالة كثيرة أبداها الأستاذ شحاتة لأخيه محمد عمر توفيق، وربما ما حملته من تردد وحالة من التبرم ما دعا الأستاذ توفيق إلى الانصراف عن نشر رسائل صاحبه، فبقيت مطوية إلى أن قيّض لها أن تنشر بعد رحيل الرجلين رحمهما الله.. * إن نشر هذا الأدب العالمي كسب للأدب، وإن كانت هذه الرسائل أخذت سمة الشخصية إلا أنها قيمة.. ولست أدري هل أديبنا الكبير حمزة شحاتة، لو أتيح له شيء من رغد العيش، أتراه يكتب أو ينتج هذه الثمار اليانعة، أم أن يسر الحياة سيشغله عن الهم والعوز وأهله؟ لعلي أرجح أن فكر الأديب الحق وعطاءه يظلان في نضجهما ومستواهما الرفيع، لأنهما ثمرة قراءات متعددة وعقل راجح، يرى اليسر فيصفه، ويسري العسر كما في حاله وفي وجوه الناس وأنماطهم فيصوره بثاقب عقل راجح، ويظل قول المتنبي يتردد على أسماعه وأسماع غيره: (ذو العقل يشقى في النعيم بعقله).. * لعلي من خلال هذه الوقفات القصار مع (كتاب الرسائل)، أشير إلى أربع خطابات، عناوينها: سلطان المجتمعات، ص (92)، (العاشق المحموم)، ص(138)، (واجبات الرجولة) ص(202)، (بحر من الدم)، ص(230)، الأولى من حمزة شحاتة إلى محمد عمر توفيق، والثانية، من محمد عمر توفيق إلى حمزة شحاتة، والثالثة، من عزيز ضياء إلى محمد عمر توفيق، والرسالة صادرة من دلهي بالهند، والرابعة، من محمد عمر توفيق إلى أحمد قنديل.. * وهذه الإشارة على تلك الرسائل الطوال على نحو ما وما تحمله كل واحدة منها، تستحق جلاء قيمتها، وليس فيها شيء من غموض أو إبهام، ولعل العسر في تلخيص قد يخل بالمضمون الذي قد يفسده التوقف العابر السريع.. ولعل القارئ يتاح له قراءتها في محتواها من هذا الإصدار الذي نقل إلينا تلكم الرسائل بين الأصدقاء الخلّص... * وبداية الرسالة الأولى للكاتب الكبير والشاعر المجيد حمزة شحاتة، التي يعوج فيها على العادات التي يمارسها الإنسان فلا تسايرها ميوله، ويقول الكاتب: (وفينا ميول لا يتحول إلى عادات)، وحين يبحث عن الأيسر في تحول العادات إلى ميول، أم الميول إلى عادات، وجد أن تحول العادة إلى ميل أيسر من تحول الميل إلى عادة)... وتركت التوقف على ما في هذه الرسالة وأخواتها ربما إلى فرصة مناسبة قادمة بإذن الله...
|
|
|
| |
|