* إن طموح الأديب الكبير حمزة شحاتة -رحمه الله-، صاحبه الحرمان، وجعله وكأنه يحيى في سجن طويل المدى، سجن فرضته عليه الأيام، فضاقت نفسه الكبيرة الحساسة المرهفة من الحرمان والسجن القسري، فكان الغثيان من هذه الحياة التي قدرت عليه وشارك فيها إباؤه، فراح يتبرم ويشكو، عبر تلك الرسائل المتواصلة إلى صديقه الأستاذ محمد عمر توفيق، الذي كان أحسن حالا من صاحبه، وربما كان بوسعه أن يعينه بقدر ما يتاح ليخفف عنه ظلمة الحياة بأكثر مما كانت تحمل الحياة من آلام وحاجة.
* الأستاذ توفيق رضي بقدره؛ فاستقر وعاش يتلقى نصيبه المقدر له من الوظيفة والعمل في الصحافة موظفا في صحيفة البلاد بمكة لدى حسن قزاز، إلى أن وصل إلى الوزارة بلا رجاء ولا التماس، وهو حقيق بما نال، وللأستاذ توفيق رؤى في الحياة وأهلها، لكنه صابر واحتمل ما قدر له وعليه من سبل، حتى ابتسمت له الحياة، والرجل ذو تأمل وبصر ومداراة.
* إن نفس شحاتة وتطلعاتها وحرمانها، وسعة اطلاع الرجل العميق، جعلته يفلسف تلك الحياة التي عاش.. وأنا أقدر أنه كتب الكثير من شعر ونثر، وأنه أتلف الكثير مما كتب لا سيما ما يتعلق بالسياسة وأتراحها، ولعل فيما كتب وإن كنت أستبعد ذلك، مما يشي بضعف النفس، ليس من أجل تطلعه الطموح، وإنما من أجل من يعول - خمس -، يتطلبن حياة كريمة وتعليما واسعا وخدمات وترحالا، وشؤونا وشجونا ما أكثرها.
* كان يتطلع إلى منصب يليق به وبطموحه وقدراته ومعارفه، وهو يرى أن كثيرا من لداته وممن دونه، قد سعدوا بما لم ينله هو، وحق له هذا التبرم والضيق والضنك والشكوى؛ لأنه رأى الحرمان أو ما يشبه البؤس يخيم على ساحه وحياته كلها، وكانت الكتابة هي المتنفس، ففيها تفرغ النفس شحناتها، لكي تهدأ بعض الوقت ثم تعود إلى سيرتها الأولى.. لكن تمزيق ما كتب من خواطر ملتهبة، كان السبيل الذي لابد منه، حتى لا يبقى بعده يصور ضعف النفس في بعض الحالات، وحتى لا يحسب عليه ذلك وحتى لا يشمت فيه الشامتون، وما أكثرهم في حياة الناس والحياة.. وحال أديبنا الكبير يجعلني أردد قول المتنبي: