| |
نوازع د. محمد بن عبدالرحمن البشر
|
|
مكة المكرمة هذه المدينة العريقة، حل بها أبونا إبراهيم عليه السلام، وترعرع على أرضها أبونا إسماعيل عليه السلام، وبها تزوج من جرهم، وبقي نسله حتى هذا العصر، من نسله رسول الهدى محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي حمل وبشر بدين الإسلام، دين الخير والمحبة، الدين الذي جاء للناس أجمعين، وفي مكة كانت ولادة ونشأة رسول الهدى، عرفه أهلها بالأمين لصدقه في القول والعمل، آمن به بعض من أهلها، وكفر به البعض الآخر، فبها بدأ نزول الوحي عليه، وبها البيت العتيق الذي ظل الناس يؤمونه منذ أن أقام بناءه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وبها ماء زمزم المبارك الذي نبع تحت قدمي إسماعيل عليه السلام. هذه المدينة المباركة بها بيت الله الحرام أفضل بقعة في الوجود، يؤمها الملايين من البشر، وتوجه إليها أنظار المسلمين خمس مرات في اليوم والليلة. في رمضان يتوافد إليها جمع غفير من المسلمين من أقطار العالم أجمع يرجون رضا الله وثواب الآخرة، يتطلعون إلى عفو الباري من ذنوب قد ارتكبت، ويطمحون في فضل الكريم ففضله وجوده ليس له حدود. هذا البيت العتيق يجمع أجناسا مختلفة الألوان، والألسن، والمراتب الاجتماعية لا فرق في هذا المقام بين غني وفقير، وأسود وأبيض، ومرأة ورجل، الجميع جاء طالبا لوجه الله يصلون الصلاة ذاتها في المكان ذاته، وهذا المنظر البديع يدل دلالة واضحة على أممية الإسلام وتأكيد على أنه دين الناس جميعا. فكل الناس عند ربهم سواء، وتظل التقوى هي المعيار الذي به يتميز المرء عند ربه دون سواه. مكة المكرمة يأتيها رزقها من كل مكان على وجه البسيطة، يجلب إليها أنواع الفواكه والخضار والأغذية المتنوعة من لحوم ودواجن ومعلبات. يجد فيها من اعتاد على أكل بلده بغيته، فهناك لأهل الشرق مأكلهم ولأهل المغرب مأكلهم، ولأهل الشمال مأكلهم، ولأهل الجنوب مأكلهم، هذا التنوع في المآكل وبأسعار زهيدة يعطي دلالة واضحة أن الله يسهل لهذا البلد الكريم كل ما يحتاجه من رزق يجلب إليه من كل أقطار الدنيا. مكة المكرمة يسير بها المرء بأمان ويعيش بها المرء في هدوء إن رغب في ذلك، كل يسير في طريقه دون مماحكة أو مجادلة إلا لمن أراد ذلك. في هذا البلد الكريم يتسابق أهل الخير على البذل والعطاء، يعطون دون حدود، منهم من يعطي عينا، مثل الإفطار والسحور ومنهم من يعطي مبالغ من المال، وتجد المحتاجين يتهافتون لنيل مرادهم، وبعد برهة يرى المرء كثيرا من المحتاجين وقد شبعوا بحمد الله وحملوا معهم بعضا من الأكل الذي يسد رمقهم في فترات قادمة، هذا النوع من التكافل الاجتماعي ميزة عظيمة للمسلمين يمتازون بها عن سواهم. هناك من يقول: قد يكون من المناسب جعل مثل هذه الأمور أكثر ترتيبا وأفضل توزيعا، لكن هيهات وأنت تتعامل مع ثقافات مختلفة، وأساليب متباينة، ويمكن للأساليب أن تتطور ذاتيا طبقا لثقافة المنفق، ووعي المتلقي، فهناك أمور واقعها أفضل حالا لها مع تطويرها ذاتيا دون تنظيم رأسي قد يصعب استيعابه. هذه المدينة العظيمة، مكة المكرمة، قبلة المسلمين، ستظل رمزا للإيمان، والخير والعطاء، والتكافل، والتلاحم. حفظها الله من كل سوء.
|
|
|
| |
|