| |
هذرلوجيا وثانية (بنك الفقراء) سليمان الفليح
|
|
(أنا جائع وها أن الجوع يفترسني بشكل مريع لذلك ليس لي مطالب غير عادلة في هذه الدنيا إطلاقاً فأنا لا أريد منزلاً ولا مالاً ولا سيارة ولا حتى ساري يلتفّ حول جسد مغرٍ كل ما أريده هو وجبة أرز واحدة ليس مهماً أن تكون باردة أو ساخنة خشنة أو نخرة. المهم أنني أريد طبقاً، هذه كل مطالبي، فإذا لم يلبها أحدٌ فإنني على استعداد لأن ألتهم كل ما تقع عليه عيناي، الأشجار البحيرات المدن الأرصفة أنابيب المياه المارة في الطرقات إنني على استعداد لأن ألتهم حتى مدير التموين وسيارته التي يرفرف عليها العَلم لذلك أعطوني طعاماً لئلا ألتهم خريطة بنغلاديش كلها!!). *** هكذا كان قبل عشرين عاماً يصرخ الشاعر البنغلاديشي الكبير (توفيق آزاد)، وهو يجوب بلاده الجائعة شرقاً وغرباً يستثير نخوة العالم، وقبل أن يسمع أن ثمة رجلاً عظيماً في بلاده اسمه (محمد يونس) كان يفكر بصمت كيف يحل هذه المعضلة الكبرى إلا أن صوت الشاعر ظل يدّوي بأسماع الاقتصادي الوطني الكبير الذي كان يجوب هو الآخر أصقاع بنغلاديش المترامية ليلتقي بالفلاحين المعدمين الذين يتساقطون فوق الأعشاب الجافة لمزارعهم الصغيرة الميتة التي لا يكلِّف إحياؤها وإحياؤهم معاً سوى مبالغ ضئيلة من المال. لذلك نمت في ذهنه اليقظ فكرة (بنك الفقراء) وراح يشتغل على هذه الفكرة النبيلة ويجمع لها المال والمحسنين من رجال الأعمال إلى أن أثمرت مساعيه الخيّرة بإقامة (بنك الفقراء) الذي أخذ يُقرض الفقراء للقيام بمشاريعهم الصغيرة وبذلك ساعد حكومة بلاده في حل مشاكل الفقراء، بل تخطى ذلك ليساعد كل فقراء العالم. وقد تُوِّجت مبادئه النبيلة بحصوله مؤخراً على جائزة نوبل للسلام التي يستحقها عن حق وحقيق والتي ساهمت في رفع اسمه واسم بلاده عالياً في المحافل الدولية.. وإن نسي سكان هذا الكوكب ما مرَّ عليهم من أحداث فإنهم لن ينسوا صورة الألوف من فقراء بنغلاديش وهم يحملون الورود المضمَّخة بالعرق الشريف ويطوِّقون بها عنق (محمد يونس) الذي أوجد لهم سبيلاً في الحياة. *** صحيح أن محمد يونس يستحق هذه الجائزة العالمية وإن كنا حقيقة.. نتمنى أن تكون من نصيب أحد أثريائنا العرب ممن لا ينقصهم حب الخير والسعي إليه والعمل من أجله والذين فكروا قبلاً ولربما يفكرون مستقبلاً بما فكر به محمد يونس الذي حاز على قصب السبق في إبراز هذا العمل الإنساني النبيل على مستوى العالم.. إلاّ أننا لن نفقد الأمل بوجود العديد من الرجال الخيِّرين الذين قد يحذون حذوه فإن لم يكن ذلك على مستوى العالم فعلى مستوى عالمهم الإسلامي، وإن لم يكن كذلك فعلى مستوى عالمهم العربي، وإن لم يكن كذلك فعلى مستوى أوطانهم وذلك أضعف الإيمان.. فتصوروا مثلاً لو تسابق رجال المال والأعمال على مثل هذه الفكرة وانتشرت مشاريعهم في الأرض فكم سيكون عالمنا سعيداً إذ ليس فيه (فقير يحسد أو غني يحقد) فهل؟!!
|
|
|
| |
|